لم يكن انسحاب الولايات المتحدة من البرنامج النووي الايراني مفاجئة غير متوقعة، فمنذ ان اعلن الرئيس ترامب عن اختيار مايك بومبيو وزيرا للخارجية خلفاً للوزير ريكس تيلرسون بات هذا القرار شبه مؤكد. ليس فقط لان بومبيو يمثل واحدا من اهم الصقور في الحزب الجمهوري بل كذلك لانه يعد من اهم معارضي السياسة العامة للرئيس السابق باراك اوباما وسياسته حيال الملف النووي الايراني تحديدا.

في عام 2009 تشكلت حركة سياسية في الولايات المتحدة اطلق عليها ( حفلة الشاي ) او tea party movement، وتتألف من عدد من الناشطين الذين ينتمي اغلبهم الى التيار المتشدد في الحزب الجمهوري . خرجت هذه الحركة في احتجاجات واسعة منتقدة سياسات ادارة ترامب المتعلقة بالضرائب والنظام المالي ونظام التامين الصحي وكذلك تُعارض نظام الهجرة واسلمة المجتمع الامريكي.

الحركة تظم شخصيات جمهورية عديدة وكذلك عدد من القضاة ورجال الاعمال ونواب بارزين في مجلس الشيوخ الامريكي. الوزير مايك بومبيو يعد ابرز وجوه هذه الحركة اضافة الى جينا هاسبيل الرئيس الحالي لجهاز المخابرات الامريكي، وهي صديقة بومبيو المقربة والتي اقترن اسمها بالسجون السرية التي يديرها جهاز المخابرات الامريكي في العالم ويتم فيها تعذيب المشتبه بهم في قضايا الارهاب والمعروفة ب (الحفر السوداء)، كما اقترن اسم بومبيو نفسه بممارسات التعذيب داخل هذه السجون خلال فترة ترأسه لجهاز المخابرات المركزي، وكلاهما معروف بمواقفه الحازمة حيال ايران.

ايضا تناغمت ميول بومبيو المتشددة مع شخصية وافكار الرئيس ترامب وأدى تعيين ترامب لبومبيو في منصب وزير الخارجية الى حسم الجدل السياسي المحتدم داخل البيت الابيض لصالح خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني بالرغم من المخاطر وفرص الانشقاق مع الحلفاء الاوروبيين.

وضعت ادارة ترامب 12 مطلبا على ايران تنفيذها لتتفادى ما يسمى بـ( العواقب الوخيمة) التي تبدأ بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية المتشددة وقد تنتهي بتوجيه ضربة عسكرية موجعة لايران، بحسب ما اجمع عليه اغلب المحللين في البيت الابيض.

وعبوراً الى الجهة الاخرى من العالم وتحديدا ايران التي عمدت الى الرد السريع والمباشر رافضة مطالب البيت الابيض الـ 12 التي حددها خطاب بومبيو . وجه خامنئي في خطابه الى الولايات المتحدة بالالتزام بسبعة شروط ايرانية لكي تقبل ايران ان تعود الى البرنامج النووي.

خامنئي يعد الزعيم الروحي للتيار المتشدد داخل ايران والذي عارض ويعارض البرنامج النووي الايراني الذي اقرته الامم المتحدة منذ البداية. هذا التيار الذي سبق ان الجمه تيار الاصلاح الذي انتعش خلال فترة ادارة الرئيس باراك اوباما واستفاد من الاهمال والتراخي الامريكي حيال تنامي القوى الاقليمية في الشرق الاوسط والتي كانت تعتبرها ادارة اوباما دعامة استراتيجية لسياسة توازن القوى في المنطقة. خامنئي هو ايضا الزعيم الروحي لتيار الدولة العميقة في ايران وهو تيار متشدد يلتزم استخدام القوة عبر وكلاء محليين تم زراعتهم داخل الدول العربية وهم يمثلون العمق الجيوستراتيجي لايران.

يتم تمويل هؤلاء الوكلاء والاشراف على ادارتهم من قبل الحرس الثوري الايراني الذي يدير العمليات على طول الطريق الممتدة الى سهل البقاع غربا واليمن جنوبا مرورا بوكلاء اخرين في العراق وسوريا. هؤلاء الوكلاء هم اشد خطراً من اي سلاح بل اخطر تاثيراً حتى من السلاح النووي الذي يعرف الجميع ان ايران لايمكن ان تستخدمة في محيطها المجاور. الولايات المتحدة تستخدم حجة البرنامج النووي لكي تكسب الدعم الدولي والداخلي في حال توجيه ضربة مباشرة لايران.

كما ستستخدم ايران حجة التهديدات الامريكية لتصعيد حدة الصراع مع اعدائها الاقليميين في الجوار العربي. 

اذن حفلة الشاي في الشرق الاوسط ستكون ساخنة وسيحرص كلا الطرفين الموغلين في التشدد -الايراني والامريكي - على ادامة السعير المشتعل في المنطقة. ايضاً قد تكون اخطاء المتشددين الامريكان والايرانيين مرتفعة التكاليف هذه المرة خاصة اذا ما استمرت الادارة الامريكية تتعامل باهمال مع تلك المليشيات المدعومة من ايران والتي تنتشر وتتمدد من العراق شمالا حتى اليمن جنوبا.

بومبيو تكلم عن قص اجنحة ايران في المنطقة لكنه لم يحدد استراتيجية لذلك، وهذا الكلام خطير بحد ذاته لانه يعني بان المنطقة ستدفع الثمن بان تتحول الى ساحة الصراع الايراني الامريكي وربما سنجد انفسنا نقاتل بعضنا وندمر بعضنا البعض في صراع غير منتهي خاصة مع وجود شتات في الاراء والمواقف داخل البيت العربي ودول مخترقة من قبل ايران واخرى تتمركز فيها قواعد امريكية وايرانية في نفس الوقت. فهل اصبح لا مفر من ان يكون العرب اول من سيتذوق الشاي المر الذي يعده الصقور في ايران والولايات المتحدة.

[email protected]