تابعت في الأسبوع الماضي العديد من الدعوات الموجهة إلى الشعب الإيراني، منها مصادر عن مسؤولين في الإدارة الامريكية ومنها ما صدر من تصريحات في هذا الشأن عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان.

مجمل الدعوات تشير إلى الجرائم التي ارتكبها نظام الملالي بحق شعبه، وكيف أهدر المليارات في تنفيذ مشروعه التوسعي الطائفي في سوريا والعراق واليمن تاركاً الشعب الإيراني يعاني حتى انهارت العملة والاقتصاد بمجرد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وقبل توقيع أي عقوبات!

هذه الدعوات وغيرها لن يكون لها، برأيي، تأثير كبير في مجريات الأمور في إيران، بل يمكن أن يوظفها النظام جيداً في تأكيد خطابه القائم على تعرض إيران لما يزعم أنه "مؤامرة"، وبالتالي فهي تصريحات يمكن أن تصب في خدمة النظام لاسيما في ظل ما عرف عن الثقافة الإيرانية من سمات هوياتية في التعامل مع مثل هذه الأمور.

اعتقد أن الذي سينهي أحلام الملالي بالفعل هو الاقتصاد وليس السياسة، فالوضع الاقتصادي في إيران على شفا الانهيار، والرئيس روحاني يعاند ويكابر ويرفض الاعتراف بما ارتكب فريقه الحكومي من أخطاء، وقد وصلت الاحتجاجات بالفعل إلى معظم مدن إيران ومناطقها، وازدادت شراسة الاحتجاجات وقوتها بعد إضراب "البازار" الذي بعض برسالة قوية إلى الشعب الإيراني بأكمله، ودفع نواب مجلس الشورى الإيراني إلى الانتفاض وتوجيه رسالة تحذير قوية وحادة إلى الرئيس الإيراني.

هناك تحرك لافت من ثلثا النواب الإيرانيين حيث وجهوا خطاباً إلى الرئيس حسن روحاني طالبوه فيه بتغيير فريقه الاقتصادي نظراً "للنتائج السيئة" التي حققتها الحكومة. وورد في مقتطفات من الرسالة حسبما نشر، أن "النتائج السيئة لكبار المسؤولين الاقتصاديين في السنوات الأخيرة تسببت في زيادة انعدام الثقة لدى المواطنين إزاء القرارات التي تم الإعلان عنها أو تنفيذها في الأمور الاقتصادية". وهذا الخطاب الذي وجهه 187 نائباً من أصل 290 في مجلس الشورى، دعا روحاني إلى التحرك "«بشكل عاجل من أجل إحداث تغيير في قيادة الفريق الاقتصادي"، بهدف جعله يتحلى "بالديناميكية" و"يفهم" الوضع الاقتصادي قبل أن يتخذ مجلس الشورى قراراً بهذا الشأن. ما يعني أن هناك تلويح بتدخل برلماني مرتقب ما لم يتحرك روحاني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدستور، يمنح مجلس الشورى سلطة إقالة الوزراء أو الإعلان بأغلبية ثلثي الأصوات عن "عجز" رئيس الجمهورية، الأمر الذي يفتح الطريق أمام عزله من قبل المرشد الأعلى.

هناك فشل واضح في اجراءات الاقتصاد الإيراني لمواجهة العقوبات التي لم تبدأ بعد، وما يحدث هو عبارة عن أصداء نفسية استباقية لقرار العقوبات غير المسبوقة كما تعهد الرئيس ترامب، وهي مسألة واجهتها الحكومة الإيرانية بحزمة من القرارات منها تخصيص العملة الصعبة لمستوردي السلع الأساسية وفرض حظر على مئات السلع المستوردة، بما في ذلك السيارات، ما أدى إلى رفع أسعار العديد من المنتجات وحدوث شلل في الأسواق، وبدأ المواطنين سحب مدخراتهم وشراء الذهب والعملة الصعبة والممتلكات والسيارات في محاولة لحماية أصولهم.

الفريق الاقتصادي الحكومي لروحاني يضم بعض نواب الرئيس ووزراء مكلفين المحافظ الاقتصادية، بالإضافة إلى المستشارين الاقتصاديين للرئيس ورئيس البنك المركزي.

جزء من الأحداث المتسارعة في إيران ترتبط بالصراع بين جبهة روحاني والمتشددين، حول مستقبل النظام وبناء موقف بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة ومصير الاتفاق النووي، لاسيما أن الرئيس ترامب قد ترك الباب مفتوحا للمحادثات مع إيران في حال اوقفت التدخل في شؤون المنطقة. وما يضاعف صعوبة الموقف الإيراني أن هناك شكوك جدية حول مقدرة الاقتصاد الإيراني على مقاومة فرض عقوبات أكثر صرامة لفترة طويلة.

الخيارات الإيرانية تبدو محدودة للغاية ولا مناص من التفاوض مع الولايات المتحدة لانقاد النظام من الانهيار، ولكن المتشددين ربما يعتقدون أن التفاوض وارد ضمن خياراتهم ولكن ليس عبر الرئيس روحاني.

الولايات المتحدة من جانبها تريد استخدام الاحتجاجات إلى اقصى مدى من اجل مفاقمة الضغوط على النظام لتليين مواقفه السياسية وكي يضطر المتشددين إلى تقديم تنازلات جوهرية كبيرة لتفادي انهيار النظام ذاته.

الخلاصة أن الاقتصاد سيكون الضربة القاضية لأحلام ملالي إيران في مواصلة احلامهم الاستعمارية البائدة، ولكن متي ستوجه هذه الضربة؟ الأمر يعتمد على لعبة صراع السلطة ووتيرة تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي يمكن أن تمتد لتشمل إيران بأكملها في الفترة المقبلة، حيث يتوقع أن تمر بفترات مد وجزر وليس شرطاً أن تتصاعد يومياً في ظل قبضة النظام الحاكم القوية وانتهاكات ميلشياته ضد المتظاهرين.