ليس خافيا&ان&أعلى نسبة لاجئين في العالم هم من شرق أوسطنا المبتلي بساسة دكتاتوريين&وأمراء حروب ومختلقي نزاعات نتج عنها هذا النزوح المدمر&بحيث تحولت عدة أماكن وبقاع في أراضينا غير المأهولة&وشبه الصحراوية&الى&ملاجئ&عدة&،&وليس سرّاً&ان&تكون تلك الملاجئ&في المستقبل&مستوطنات دائمة يعتادها اللاجئ&سنة اثر أخرى&لتكون موطنا وتوطينا مثلما كثرت في سوريا ولبنان&والاردنواليمن والعراق وغيرها من الدول المبتلية بالتخلف الفكري والفوارق الطبقية والنزوع الطائفي نتيجة الاستهانة كبيرة بدولة المواطنة&من خلال انتشار النرجسيات الدينية والتمايز العرقي&والاثني&بين&ابناءالوطن الواحد&ووصلت حالات الكراهية&الى&مستوى&اهل&الحي الواحد وهذا ما&يريده ساسة التفريق والتمزيق لكي يزيدوا من بقائهم&اعلىالسلطة ويتحكموا بالملأ العريض المغلوب على أمره&.

تتراءى صورة اللاجئ أمامي كيانا مفزوعا قلقا&كارها للحياة التي أوصلته&الى&هذا المكان الجديد الغريب عليه&؛ فيَصل&الى&مثواه الجديد&وكأنه مقبرة الحياة لا الموت ويتمنى&من كلّ قلبه&لو&مات واتخذ القبر الحقيقي مغارة أبدية له&ويرى خياما منصوبة&فيدخل إحداها التي خصصت له وسيقضي ليلته منزعجا جدا لكن سلطان النوم&والإنهاك&يرغمه&على&ان&يغطّ في غيبوبة سرعان ما تتخللها يقظة بسبب كابوس مرعب فينتفض هلعا لكنه يعاود الكرة لينام مجددا&مرغما على استعادة نشاطه البدني&.

وهكذا يقضي&ايامه&ولياليه منزعجا متذمرا&بشكلٍ&لايطاق&وشيئا فشيئا يخفت&هذا الانزعاج والتذمر،&وبعد&ان&تمر شهور عدة يتآلف مع المكان&حتى تصبح تلك الخيمة سكنا ودودا وملاذا جميلا فيقع في حبّها ويعتاد عليها كما يعتاد الميت على قبره ويأنس&اليه&وهو صامت&.

انقضت سنة&وبدأ المعنيون من رعاة المجتمع المدني والمنظمات&الانسانية&الدولية&بخليطهم البريء والمنتفع&من ذوي النوايا الحسنة وغير الحسنة&يقيمون مدرسة ابتدائية هنا ومركزا صحيا هناك&لحاجة في نفس يعقوب وحاجة أخرى لملء&الأرصدة&والجيوب&.

بدأت ملامح البهجة والسعادة ترتسم في وجهه وسيدخل&اولادهليتعلموا&القراءة والحساب، وتدريجيا&ستمّحي&فكرة حسن المآب&الىمرتعه&الاول&وسينال شيئا يسيرا من&الطبابة&لتضمد أوجاعه&الاولىتمهيدا لشفائها تماما ونسيان ما عانى طيلة فترة نزوحه وتركه بيته&الاول&ومحتده ومنبته وملاعب صباه وفتوته&.

هنا ستتفتح قريحته&ويطول لسانه مدحاً لا&قذعاً&ويكيل الشكر&والثناء للساعين&الى&تحسين وضعه ويقف&امام&كاميرا الصحافة مزهوا مشيدا بالمساعي الحميدة التي وفرتها له هذه المنظمات من اجل استقراره في مقبرته الجديدة ويطيل لسانه&اكثر&ليطالب بمساكن بسيطة بدل الخيام التي أخذت تتهرأ&وتتمزق&بفعل الشمس الحارقة والرياح السموم صيفا، وبالإمطار والوحول والرياح الباردة في الشتاء&.

ها هو بدأ يتكيّف مع وضعه الجديد الذي كان يزدريه وصار يرضيه، أليس&الانسان&اكثر&مخلوقات الله تكيّفا في أشدّ&الاحوال&سواء&قرّاً&امصرّاً، بقعةً&غنّاء&ام&صحراء &تراه يتنفس الصعداء مثلما يأنس الغبراء&فيوسع صدره نسائم&عذاباً&ويشهق ويزفر ترابا&.

انت&ايها&اللاجئ لو ارتضيت مثواك الجديد وعملت على تحسينه عمرانا بسيطا واتخذت من الصبر&ضمادا&مطببا لجراحاتك وبلسما&لأحزانك&وتعلّم أولادك ورفيقة عمرك بلهجةِ :&هذا ما كتب الله لنا &وتوصي جارك على التمسك &بالصبر&كأنك تبني شاهدة قبرك بيديك وتعمّق حفرة قبرك بفأسك وزنبيلك وتنذر بوفاتك القريبة جدا&وانتتعيش الحياة&.

لاتهزج&ولاتهلل&فرحا لو زارك&السياسي حتى&اذا&كان من&ابناء&جلدتك ممن تظن انه من مناصريك والمدافعين عنك&، فهذه الزيارة ترويج له على إعادة تدوير انتخابه مجددا في&الدورة الانتخابية اللاحقة&لانكأصبحت سلعة في سوق السياسة ويزايدون عليك،&فأنت&الان&قد صرت بضاعة رائجة وسُلّماً يرتقي على أوجاعك الباحثون عن المنصب والجاه والحظوة ويجعلون ظهرك مركبا سهلا للوصول&الى&غاياتهم&.

وقد&تتفاجأ&بوصول من&تعتقدهم&انهم&متضامنون معك ومع صحبك اللاجئين فاعلم&ايها&اللاجئ المحزون&انهم&يستغلون المناسبات الدينية&والأعياد&ليهبوا&لك&البخس من&الأشياء&غير النفيسة&ليظهروا&امامالشاشات&انهم&القدوة المحسنة وقد يبلعون الوفير منها في أحشائهم ويضعونها في أرصدتهم ولم تنل&الا&الفتات وفضلات المائدة &وبقايا الدراهم المعدودات من العملة النحاسية وربما الفضية في&أسوأ&الاحوال&.

اما&حصة&الاسد&من المال الوفير&والاوراق&الخضر فجيوبها ليست&لكفانك&منخرق&الجيب ومهلهل الثياب&، وأوصيك&ان&لاتعبأ&بهم&إطلاقا&لانهم&سيجعلونك احد شعاراتهم الانتخابية وهدفهم التقرّب من السلطة والنفوذ من خلالك&فأنت&السلّم الذي يرتقي بالواهنين&الى&الأعالي وأحذيتهم دائما تعلو رأسك ورأس صحبك المساكين.

تذكر&ايضا&&ان&كثيرا&من&الوفود الزائرة من غير مواطنيك&سيفاجئونكبزيارتهم من منظمات أجنبية لا حصر لها بدءاً مما يسمون&انفسهمرعاة حقوق&الانسان&ليظهروا نرجسياتهم باعتبارهم من المدافعين&عنك وعن رهطك المكدود المرهق&وسفراء النوايا الحسنة&لإثبات&حسن جهدهم ونواياهم الطيبة&وكذا&الصحافة العالمية&لتتصيد السبق الصحفي&وأطباء بلا حدود&كي تتباكى على أسقامكم&وباحثون على الشهرة&ليظهروا أنهم&سوبرمانات&في التعاطف&ومصورون يريدون&انيلتقطوا صورا تذكارية قد تفوز إحدى لقطاتهم بجائزة دولية&وينالوننصيبهم من آهاتكم&ويملئون الصحافة والإعلام ضجيجا وتهريجا إدعاءً بأنهم النخبة الإنسانية المنتقاة التي تقطر نبلاً وتعاطفا.

إياك&اياك&ان&تلتقط الصور المجانية مع&الكاميراتيين&النرجسيين بواسطة هواتفهم المحمولة وتُظهر أولادك الجائعين المرضى وهم في أسوأ حال بسبب سوءات الطقس والحياة البائسة سواء في الصيف&او&الشتاء ولا تُريهم طعامك المغطى بالتراب وخبزك المليء بالحصى ومياهك الداكنة من جراء الأطيان والمخالطة بالأوحال.&

صمَّ فمك عن الاستغاثة بذوي المروءة وأصحاب الشهامة والنخوة من&أهليك&العرب والمسلمين&وابناء&وطنك&الامّ&، فقد صرت&الان&مادة دسمة للإثراء ووسيلة ناجحة لطلب الجاه والحظوة والمنصب وتحقيق السيادة والزعامة لغيرك، فإنك&الان&قد مهّدت الطريق&لمتعطشي&المال والشهرة ليستخدموك لا ليخدموك.

ولتعلم&ان&العودة&الى&المنبت والمحتد والمسكن&الاول&هو الحل الأمثل والأجدى والأنجع والأسلم، فالخيمة في مكانك هذا لابد&ان&تكون بائدة على مرّ الأيام، ولا ينفع رتقها وإصلاحها بخيوط واهنة من منتجات ومشاغل القومية&والاثنية&والطائفية، ولا ينجيك&الا&سقفك الأول فهو حماك ومرتعك الآمن ومربعك الحصين &.

ولا تنسَ&ان&رمضاء الوطن وهجير هوائه &ورياح السموم فيه أقلّ إيلاما مِن فيءِ الملجأ، وهذا هو الفرق بين الوطن المسكن والتوطين والتسكين.

[email protected]