الماسوشي، Masochism":&

هو نوع من اضطراب الشخصية، ولفظة تطلق على من يتلذذ بإيذاء نفسه, سواء أكان الإيذاء لفظياً أو بدنياً, وخاصة عندما يكون الأذى من الآخر، و يكون الماسوشي في ذروة لذته كلما كان الألم حقيقياً، أي مصحوباً بفعل وليس مجرد تخيلات ورغبات , ويزداد الشعور بالمتعة واللذة الداخلية عند الممارسة, بالرغم من الظهور بمظهر الشاكي, وهو اضطراب يمثل المصاب به دور الضحية المقهورة، مايشعره بالراحة.

ويكون الماسوشي في أحسن حالات الشعور بلذة الألم عندما يُمارس عليه الألم من قبل مريض آخر هو السادي الذي يتلذذ في تعذيب الآخرين وقهرهم.

واذا كانت الماسوشية والسادية ذات علاقة بالألم الجسدي سواء عند المتلذذ في تعذيب نفسه أو تعذيب الآخر له ( الماسوشي) أو عند المتلذذ في تعذيبه للآخر ( السادي)، فإنه يبدو لي أن للعقل ماسوشية توازي ماسوشية الجسد بل وتتفوق عليها.

ماسوشية العقل، ماسوشية فكرية يبحث عبرها ماسوشي العقل عمن يمارس عليه القهر الفكري، ويشبعه برواية الخرافة وصنوف الشعوذة.

يقابله سادي العقل، ذلك الذي يتلذذ في ممارسة التجهيل ونشر الخرافة والشعوذة لقهر كل ماسوشي عقل.

كلاهما: ماسوشي العقل وسادي العقل، يعاديان الفكر المستنير.

سادي العقل، لا يحلو له العيش سوى وسط الظلام، ليمارس قهره وساديته حين يكون مصدر إلهام ظلامي لكل عقل ماسوشي يتلذذ في استلهام العتمة التي تحيل فكره للغوص في وحل العذابات التي تشعره بمرارة الألم تلو الألم بحثاً عن خرافة.

وماسوشي العقل، يصاب بالعمى كلما شع في طريقه نور يهديه الى العيش بحرية.

كلاهما: سادي العقل وماسوشي العقل، عشاق ظلمة وأعداء حرية.

لو بزغ شعاع عقل في واقع الماسوشيين لقذفوه بصلية من غسق.

وكلما شُرعت لهم نوافذ كي تدخل عبرها نسائم الحرية وبشائر الفجر، صنعوا بدلا منها أبواباً موصدة تمنع تسلل الهواء والنهار الى الغرف الموحشة والمستوحشة.

وكعادة الماسوشيين، يجلد عقولهم سادي عقل، فيعبدونه ويعتقدون أنهم يعبدون الله.

ولكي يُقنع الماسوشي نفسه أنه على حق وهو يتبع سادي العقل، يدعي أن ذلك السادي ممثل لإرادة الله، يهديه الى الباطل فيراه الحق، ويعذبه في الدنيا قبل أن يتعذب في الآخرة، ويرى في عذابه جنة في الدنيا تقوده لجنة الآخرة.

هكذا هم الماسوشيين، يصنعون سادتهم وسادييهم بإختيارهم وبعشقهم للعذاب والمذلة كنتيجة لثقافة وتربية خانعة ترسخت في أذهانهم منذ نشأتهم حتى غدت جزءاً من خلايا دمائهم لتصبح مع مرور الزمن جيناً وراثياً تتناسله الأجيال جيلاً بعد جيل ويصنعون بينهم السادي من عصر لآخر بنفس الصفات واختلاف الثياب، تصديقاً للمقولة: أنه لايصنع الطغاة إلا العبيد. وهل هناك عبودية أسوأ من خضوع العقل لفكر القطيع حين يقودها سادي جهل وعقل ؟!

وهل هناك طاغية أسوأ من طاغية التجهيل بإسم الله ؟!

وكلما انكشف للقطيع الماسوشية زيف من يستبد بعقولهم، يعودون الى حالاتهم السابقة وخلق الأعذار والتبريرات مجرد أن يغير السادي ثوبه كي يمنحوا الفرصة للذات المريضة والخانعة أن تمارس عشقها لإذلال العقل كيلا يفكر أو يتمتع بنعمة التفكير الأسمى من نعمة التلذذ في الشقاء والجهل والتذلل.

وينطبق قول المتنبي على كل ماسوشي عقل حين قال:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

حيث يعتبر وصف المتنبي للجاهل المتنعم بشقاوته دليل على عبقرية هذا الشاعر الذي سبق عصور علم النفس ليشخص حالة ماسوشي العقل في عجز بيت شعر يكفي عن كتاب علم نفس.

قد يتساءل سائل: وماهو الحل لمعالجة وباء الماسوشيين كيلا يكونوا صيداً سهلاً للساديين ؟!

وبرغم إيماني التام أن الطب النفسي قد إخترع علاجاً لمرضى الماسوشية الجسدية، إلا أنه حتى تاريخ هذه المقالة لم نسمع أو نقرأ عن وجود علاج لمرضى ماسوشية العقل.

وأعتقد أنه لا علاج لها سوى عبر محو المخاوف التي ترسبت في ذاكرة عقول الماسوشيين وكذلك إزالة كل الصور التي توحي للمريض المصاب بهذا الداء أن الجهل والخرافة والشعوذة مصدر أمان للإنسان، تقيه من مخاطر النور والعلم والحرية.

أي، أنه لابد من إختراع علاج قادر على برمجة ذاكرة الماسوشي حتى يستطيع التفكير باستقلالية معتمداً على تخيله للأشياء وليس بناء على وسيلة التلقين، وبعيداً عن غرس الخوف الذي يفقده القدرة على التفكير بحرية واستقلالية.

لأن الخوف أياً يكون مصدره: السبب الرئيسي لتحويل الإنسان من عقل مفكر الى عقل ماسوشي.

وكلما تحرر الإنسان من مخاوفه، كلما أصبح قادراً على التخلص من جهله وخرافته وعصياً على تسليم عقله لغيره.

حينها يكون إنساناً طبيعياً يتلذذ بالعيش في الحياة حراً لا عبداً، شامخاً لا خانعاً، ويكون صانع فعل وليس مجرد ردة فعل، وموجوداً ككيان وليس مجرد دمية يتم العبث بهامن قبل الساديين لتعذيبها وإذلالها أشد عذاب وذل حتى تدمن النفس الخانعة ذلك الخنوع فتصبح مع مرور الوقت وتعاقب العصور والأجيال ماسوشية العقل بالوراثة!

[email protected]