"يجب ان تعتبر نفسك سفينة حربية رمادية كبيرة تتلقى العديد من الضربات المهم ان تواصل الحركة وتواصل اطلاق النار " هذه مقولة جون بولتون المفضلة التي تعبر عن شخصية هذا السياسي&المخضرم الذي خاض صراعا طويلا مع من اسماهم دعاة الاخلاق السامية في السياسة الخارجية الامريكية والذين مهمتهم ان تقوم الولايات المتحدة بدور أخلاقي في قضايا دولية ليس فيها أي نوع من الاخلاق.&&
وفي كتابه "الاستسلام ليس خيارنا" الذي أشار فيه الى ان حربه مع ايران لم تندلع الان بل انها بدأت منذ عام ٢٠٠١ عندما رصد التعاون الإيراني -الروسي في انشاء المفاعل النووي في بوشهر في ايران , في ذلك الوقت كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والامن الدولي، وهو احد اهم المناصب الرفيعة في وزارة الخارجية الامريكية، وقد ركز بولتون جهده في إعادة النظر في جميع معاهدات الحد من التسليح بين الولايات المتحدة وروسيا التي كان يعتبرها عقيمة و قديمة الطراز وانها& صارت تصب لمصلحة الدول المارقة وخاصة كوريا الشمالية وايران.

ساهم جون بولتن وحلفاؤه ديك تشيني ورامسفيلد& في نسج خيوط الحرب على العراق 2003، وفي وقتها قدم بولتون توصيته لإدارة بوش بان يتم التعامل مع الخطر الإيراني المتزايد قبل توجيه الضربة العسكرية على العراق وبدون تأخير، وان أي تأخير في معالجة الملف الإيراني سوف يفوت على الولايات المتحدة الفرصة بل وستجعلها تتحمل تكاليف باهضة في العراق ولكن اراء وتوصيات بولتون لم تستطع اختراق الدوائر البيروقراطية الامريكية التي كانت اقوى منه، وتم مهاجمتها بضراوة من قبل الديمقراطيين الذين اعتبروه ذيل ديك تشيني ورامسفيلد وان هؤلاء يقومون بتزوير تقارير الاستخبارات الامريكية لتوريط الإدارة الامريكية بمزيد من الحروب المرتفعة التكاليف.

بعد مأزق الإدارة الامريكية في حرب العراق، استمر جون بولتون يطالب بعدم منح ايران أي فرصة تفاوضية بل شدد على ان اهداف ايران لن تتغير وهي مصرة على ان تتحول الى قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط وحسب وجهة نظره ، ان العامل الأخطر هو ثبات إصرار النظام الإيراني على سياسته يقابله تذبذب الإدارة الامريكية في معالجة قضية تفاقم الخطر الإيراني والحقيقة ان توقعات بولتون صدقت واخطأت الولايات المتحدة عدوها وفعلا تم استبعاد بولتون من ملف الحرب على العراق وابعد عن منصبه في وزارة الخارجية من منصبه في عام 2005 مباشرة بعد استقالة رامسفيلد.

لاقت أفكار بولتون قبولاً كبيراً لدى الرئيس دونالد ترامب خاصة في اتفاقهما على نزع ثوب الاخلاق السامية عن السياسية الخارجية الامريكية ذلك الثوب الذي اضحى رثاً لا يناسب مصالحها.&

اتبع ترامب الكثير من نصائح جون بولتون وخاصة أسلوب "الخنق" في سبيل الضغط على خصوم الولايات المتحدة وتحييدهم سواء في كوريا الشمالية او ايران او فنزويلا, ترامب عمد الى تعيين جون بولتون في منصب مستشار الامن القومي، مجرد هذا التعيين جعل خصوم الولايات المتحدة يستشعرون نوايا الإدارة الامريكية حيالهم و ايران اهم هؤلاء الخصوم الذين عرفوا ان طريق المناورة والمراوغة الذي ابقاهم محصنين قد بات مسدوداً وان تعيين شخص عميق العداء حيال طموحات ايران يعد بحد ذاته حرباً نفسية تخوضها الإدارة الامريكية&وهذا ما أكدته مجريات الاحداث، حيث وافق ترامب على السير في خطة بولتون التي كان قد نشرها في مجلة "ناشونال ريفيو" في اب 2017 وحملت عنوان كيف تخرج من الاتفاق النووي، وكان مفادها هو استخدام العقوبات للضغط على ايران ودفعها للخروج من الاتفاق النووي والتلويح لها بالحرب وبالتالي فان تشديد الضغط الداخلي والخارجي لن يتحمله النظام الإيراني وسوف يبدأ بالتداعي ذاتياً او ارتكاب الأخطاء التي ستسهل مهمة بناء تحالف دولي مضاد لإيران.

نعم قد يكون بولتون نجح في تمرير خطته ولكن الحرب التي حلم بها ليختم بها مسيرته المهنية الطويلة& قد لا ترى النور. فعلى الرغم من ان جون بولتون يتفق مع الغرائز العدوانية للرئيس دونالد ترامب الا ان الأخير لا ينتمي الى المجمع السياسي او العسكري الذي تخرج منه القادة الامريكان الذي سبق ان تعامل معهم جون بولتون. الرئيس ترامب رجل اعمال يتعامل مع القضايا الدولية من منطلق الربح والخسارة. وهو يرى ان قضايا الشرق الأوسط عبارة عن مشاريع مكلفة و فاشلة يجب التخلص منها وأخرى رابحة يجب العمل على استمرار أرباحها باقل التكاليف الممكنة، وهذا المنطق لا يتوافق وحرب بولتون التي تبدو مرتفعة التكاليف والاعباء.

&بينما يصر بولتون هذه المرة على ان لا يفوت فرصته الا ان التحديات هذه المرة تبدوا اكبر واعمق. حيث سربت صحيفة الواشنطن بوست عن مراقبين من داخل البيت الأبيض ان احداث الخليج العربي الأخيرة اججت الخلافات في وجهات النظر بين ترامب وبولتون، وانهما لم يعودا في نفس الطريق الى ايران. فالرئيس ترامب يريد ان تكون نهاية الضغط على ايران هو اجبارها على اتفاق نووي جديد وفق الشروط الامريكية، في الوقت الذي يرى بولتون ان الولايات المتحدة يجب ان تعمل على اسقاط النظام الإيراني برمته. ورغم ان الرئيس ترامب وصف هذه التقارير بالمزورة الا انه عاد واكد هذه التقارير في& تغريده له على موقع تويتر في يوم الأربعاء الماضي والتي قال فيها " لقد اتخذت قراري النهائي وسوف يتم مناقشة جميع وجهات النظر والسياسات وانا متأكد ان ايران تريد التحدث قريبا". في نفس اليوم صرح بولتون في تعليقه على الاعتداء التخريبي على ناقلات نفط سعودية " ان الاعتداء على ناقلات النفط في الخليج هو اعتداء على كل الأمريكيين".

بولتون لا يعاني من مادية و تردد الرئيس ترامب فحسب بل انه يعاني من اتهامات أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين لم ينفكوا يذكرون الراي العام بدور بولتون في فبركة تقارير الاستخبارات التي اكدت على امتلاك نظام الرئيس السابق صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل تلك الفضيحة التي حطمت إدارة بوش وحتى الحلفاء الاوربيون لم يعودوا راغبين في إعادة أخطاء الماضي وهز شجرة الشرق الأوسط كما فعلوا في حرب العراق الكارثية، بل باتو اكثر رغبة في قبول شكل علاقات القوة الإقليمية في المنطقة والتعامل بواقعية معها، خاصة وانهم يعرفون جيدًا ان ايران ليست العراق في 2003.

النظام الإيراني عرف كيف يحصن نفسه من التهديد الأمريكي وهو فعلاً يمتلك قوة نووية وقدرة على تسريع تخصيب اليورانيوم في أي وقت، إضافة الى ان اخطر أسلحة ايران تتلخص بأذرعها ووكلائها الذين يستطيعون ان يهددوا حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وان يشكلوا خطراً على مباشرا على المصالح الغربية. وبالتالي فان حرب بولتون كانت صحيحة قبل ستة عشر عاما ولكنها اليوم اذا لم تنفذ بطريقة بولتون العنيفة وعدائيته وبإدارة أمريكية متماسكة وتحالف دولي صلب ومحكم، فأنها سوف تكون خطأ استراتيجيا ليس فقط على الولايات المتحدة بل كذلك على سائر دول المنطقة بل قد تتحول الى جحيم يحرق الجميع.

بولتون الذي هرب من الالتحاق بالخدمة العسكرية في حرب فيتنام لأنه لا يريد ان يقاتل في حرب ثم تقوم الولايات المتحدة بسحب جنودها، وهوعاش مسيرة سياسية طويلة لا يذكر فيها له سوى قرعه لطبول الحرب القبيحة وخاصة دوره في الحرب الخاطئة على العراق، اليوم قد يكون دعوته للحرب على ايران التوسعية منطقياٍ ولكن اشباح الكارثة في العراق قد تعود لتطارده من جديد وتنهي حلمه في حربه الأخيرة.