قراءة متأنية للأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة الخليج حاليا تشي بوقوع مواجهة عسكرية حتمية بين أمريكا وأيران . فالتوترات الحاصلة الآن وتصاعد وتيرتها تنبيء بأن مجرد شرارة صغيرة كافية لإندلاع اللهيب في المنطقة . ولكني أعتقد بأن المواجهة القادمة لن تؤدي الى حرب شاملة على غرار الإجتياح الأمريكي للعراق ، فإيران ليست العراق ، وقيادتها ليست كقيادة العراق التي كانت قد خرجت من هزيمة كبرى جراء تداعيات حرب الكويت ، ولا الجيش الإيراني الحالي كجيش العراق السابق الذي كان يفتقر جنوده الى الحذاء العسكري ، ناهيك عن الجوع الذي كان يفتك بهم جراء الحصار الدولي . فإيران تمتلك من القوة ما يكفي ليس لتحقيق الإنتصار على القوة العظمى لأمريكا ، ولكن على الأقل بإستطاعتها الصمود والمقاومة لفترة طويلة وهذا ما لاتتحمله أمريكا على المدى الطويل ، فتوقع نفسها بالمستنقع الإيراني كمن فعلت سابقا في &الفيتنام والتي دفعت أمريكا ثمنا باهضا لحربها الطويلة هناك .

على الصعيد الداخلي فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواجه رفضا شعبيا لخوض أية حرب خارجية ، وخصوصا مع إيران التي ستكون كلفتها غالية جدا ، وبما أن الرئيس ترامب يستعد لخوض المنافسة الانتخابية القادمة والتي لا تفصل أمريكا عنها سوى فترة قليلة ، فإن الرئيس الحالي ليس مستعدا لخسارة الدعم الداخلي لإعادة إنتخابه لولاية ثانية ، وحتى لو فكر أن يخوض حربا على إيران ، فإنه سوف يؤجلها الى ولايته القادمة ، ولن يغامر بها في المرحلة الحالية .

وعلى الصعيد الدولي هناك أيضا رفض عام لحدوث أية حرب في المنطقة ، خصوصا وأن الكثير من دول العالم بحاجة الى النفط الإيراني وهي ليست مستعدة لتحمل تبعات إرتفاع أسعار النفط بسبب الحرب . أضف الى ذلك أن الحرب القادمة ستحتاج بطبيعة الحال الى تفويض دولي من مجلس الأمن ، ومن المؤكد أن الصين وهي العضو الدائم في مجلس الأمن سوف تستخدم حق الفيتو لإفشال أي قرار بشأن الحرب ضد إيران ، هذا إذا لم نقل بأن الغالبية العظمى من دول العالم داخل وخارج مجلس الأمن سوف يعترضون على شن الحرب ضد إيران .

أما على الصعيد الإقليمي وهنا بيت القصيد ، فإن دول منطقة الخليج ومعظمها دول صغيرة لا تستطيع أن تورط نفسها في الصراع القادم ، رغم أن شرارة الحرب قد تصل إليها بكل تأكيد ، فلا يعدم أن تلجأ إيران الى توسيع رقعة الحرب عبر توجيه صواريخها الى دول المنطقة الحليفة لإمريكا كما فعل صدام في حرب الخليج حين وجه صواريخه الى اسرائيل ، ناهيك عن تهديد ايران لمرور السفن عبر مضيق هرمز ، والأهم من ذلك تحريك إيران لأعوانها من الميليشيات الشيعية المنتشرة في المنطقة لزعزعة أمن وإستقرار دول الخليج ، وعليه فإن المتضرر الأكبر من أية حرب قادمة بين أمريكا وإيران سيكون بالتأكيد دول الخليج بحد ذاتها وهي من ستدفع الثمن الأكبر ، سواء بالدخول المباشر بالحرب ، أو من خلال تحمل العبء الأكبر لتكلفتها ، أضف الى ذلك تهدد أمنها وإستقرارها الجاذب للإستثمارات العالمية ، ولذلك فإن هذه الدول متخوفة جدا من إحتمالية وقوع المواجهة في ظل تعقيدات الوضع الإقليمي الهش أصلا ..

مع الأخذ بكل هذه الإعتبارات ، فإن الحل الوحيد للمواجهة الحالية هو فقط &في توجيه ضربة تأديبية أمريكية لإيران ، وهذا هو الإحتمال الأكثر واقعية ، فالولايات المتحدة التي تضغط حاليا على إيران من خلال عقوباتها الإقتصادية وعزلها ، إنما تريد أن تدفع إيران نحو تقديم المزيد من التنازلات ، وهي بالتاكيد لا تريد توسيع نطاق المواجهة نحو الحرب الشاملة ، وفي حال عدم الحصول على نتيجة ترضيها ، فإن أمريكا سوف تلجأ في النهاية الى توجيه ضربة محدودة لمواقع إيران الستراتيجية ، وخاصة مواقعها النووية ، كما فعلت اسرائيل في بداية ثمانينيات القرن الماضي بقصف المفاعل النووي العراقي ، وبذلك سوف تتجنب أمريكا الوقوع في حرب شاملة ، وسوف ترضي حلفائها في منطقة الخليج عبر شل قدرات إيران العسكرية ، وسوف تكون الضربة مقبولة عند الرأي العام الأميركي ، بل وحتى عند الرأي العام العالمى ، وهذا ما سيحقق النصر لأمريكا ورئيسها المتطلع الى ولاية ثانية ، وستنجو إيران أيضا من تداعيات أية حرب شاملة قادمة والتي لن تكون بأقل من انهيار كامل للنظام الحالي وتمزق إيران جراء المواجهة الشعبية في الداخل.