لا تزال إيران تمارس لعبة الشد والجذب في ظل التوتر المتصاعد الذي تشهده المنطقة، اعتدت مجدداً - حسب ما تجمع عليه الاستنتاجات الأولية - على ناقلات نفط في خليج عمان، ثم أنقذت طواقمها وأسعفت ٤٤ بحاراً ألقوا بأنفسهم في المياه.

ليس لدى إيران سوى خيارات صفرية ، فهي إما تذعن لشروط التفاوض المذلة التي أعلنها بومبيو لأي طاولة نقاش تجمعه بالإيرانيين.
أو إطالة عمر العقوبات القاسية التي تعانيها الآن بما يصل إلى تصفير مواردها ومدخراتها ويشل قدرتها على الصبر والانتظار.

وأمام هذه الفرص الضيقة لتجاوز أزمتها ، تفضل طهران دفع وكلائها لافتعال حوادث متفرقة لتثقب جدار الإرادة الأمريكية، وتجرّ اهتمام العالم إلى المنطقة بتهديد استقراره الاقتصادي.
أو بزيادة أسعار النفط التي ستشكل - حسب رأي طهران - ضغطاً دولياً على ترمب يضطره للتواضع في شروطه والقبول بالحد الأدنى من إذعان إيران دون أن يلغي قدرتها على المراوغة والخروج من تضييق الخناق بأقل الخسائر والالتزامات.

ورغم الزيارات غير العادية من بعض زعامات العالم ممن يتحسسون التهديد الذي قد يعصف بأسواقهم ، لكن الحل لا يمكن ولا يكمن إلا عبر خط ترمب - خامنئي ، وما زالت المسافة بينهما مسمومة بالشكوك وانعدام الثقة وغياب الأمل.
لا تؤمن طهران بغير منطق القوة ، ففي الوقت استقبلت فيه رئيس وزراء اليابان لعرض الوساطة بطلب أمريكي ضربت ناقلات النفط في خليج عمان، وربما حدث هذا بعد أن سمعت حدة شروط ترمب ، وأرادت باستمرار استهدافها الممر المائي للمرة الثالثة تأكيد عرم وتصميم الإيرانيين على رفضها وإعادة التفكير فيها.

تريد إيران بهذه الممارسات أن ترفع من الإحساس بكلفة الاعتداء عليها، وأن المواجهة المباشرة ستكون مزعجة لمن يقدم عليها، وأن التفاهم هو السبيل الوحيد إلى حل ، بشرط أن يكون خالياً من البنود التي تخصم نقاط قوتها وتحاصر إمكاناتها ، أي صفقة على الطريقة الأوبامية التي تعطي طهران كل شيء ولا تمنع عنها أي شيء.

تستخدم إيران الحوثيين والحرب في اليمن غطاءاً وتبريراً للاعتداء على السعودية والإمارات، بعد أن تقوضت أحلام خامني في بسط نفوذ مرتاح على اليمن خاصرة جزيرة العزب الجنوبية.
وتقود كل من الرياض وأبوظبي قاطرة العالم العربي الرافضي لسلوكيات طهران، وتشكلان رأس حربة المواجهة المتصاعدة لتقليم أظافرها وتقليص نفوذها الذي بنته على ركام الحواضر والعواصم العربية التي انهارت واستسلمت لوكلائها المحليين.

يزيد تعقيد حسابات الدول الخليجية في هذا الموقف، رغم أن هذه التطورات تصب في كشف حقيقة طهران وتعريتها أمام العالم لدعم أي توجه يهدف للحد من خطورتها على استقرار العالم ، لكنه يذكرها في كل مرة بحقيقة أن مصالحها لا تلتقي بالضرورة مع حسابات القوى الدولية كان آخرها تلويح موسكو بعدم الثقة في تحميل طهران الحوادث المتكررة في خليج عمان.
يدعو هذا دول الخليج لفرض أجندتها على الواقع، وفوق طاولات النقاش كضرورة لا يمكن التنازل عنها حتى لا تقع مجدداً في الهامش من كل صفقة ، وتعزز من تحصيناتها وشراكاتها مع لاعبين محليين يمددون من عمر حصار إيران وخنقها اقتصادياً حتى تتداعى من الداخل.