طبيعي أن نبارك لجريدة quot;إيلافquot; الإلكترونية في في عيدها التاسع.. أن نبارك لإدارتها والقائمين عليها، على ما أنجزوا وينجزوا، وعلى ريادتهم في النشر الإلكتروني.. نبارك على ثراء الموقع الذي صار قِبلة، ليس فقط للقراء طالبي الثقافة بمختلف فروعها، ولكن أيضاً لطالبي العلم، فكم من دارس يعد رسالة ماجستير أو دكتوراه في الدراسات الإنسانية بمختلف فروعها، استعان بدراسات إيلاف وبحوثها، وأرسل يستأذن كتابها في أن يُضَمِّن رسالته مقتطفات مما ورد في إيلاف.. طبيعي أيضاً أن نبارك لإيلاف إمامتها للعشرات والمئات من المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية، التي تنقل عن quot;إيلافquot; ما تقدمه للقارئ، سواء تلك التي تلتزم بحقوق الملكية الفكرية فتنسب ما تنشر إلى مصدره، أو تلك التي لا تلتزم، ويتسع لتجاوزها صدر مسؤولي إيلاف، تاركين للقراء الحكم من القائد الرائد، ومن الناقل التابع.
لكن التميز الحقيقي، والذي يعد إنجازاً غير مسبوق، وإن كنا نتمنى أن تلحق به وتحذو حذوه سائر وسائلنا الإعلامية، هو ما يمكن تسميته quot;معادلة إيلافquot;.. فهذه المنطقة من العالم والمتحدثة باللغة العربية، خيم عليها لقرون خطاب واحد أحادي مهيمن، وانتحل ذلك الخطاب لنفسة قداسة، بغض النظر عن مجال ذلك الخطاب، إن كان سياسياً أواجتماعياً أو اقتصادياً، ناهيك عن الخطاب الديني السائد، والذي لا يعدو أن يكون فهماً بشرياً لنصوص مقدسة، لا يجوز بأي حال أن تدعي قداسة، هي حكر على النصوص الإلهية وحدها، وليس لأي تفسيرات أو اجتهادات بشرية مهما عظم شأنها، ومهما كانت عزيزة علينا شخوص من حرروها.
في المقابل كان هناك دائماً خطاباً متمرداً مضاداً، يهمس على استحياء في الغرف المغلقة، لكنه مع ثورة الاتصالات الحالية، ومع انتشار الإنترنت الواسع، وجد ذلك الخطاب المفارق مجالاً يتنفس ويحيا فيه، لكنه ولطبيعته المتشددة، التي تعد الوجه الآخر من الخطاب العربي السلفي والمتجمد، ظل مفارقاً لعقول وقلوب الجماهير الباحثة عن الجديد، ولم ينجح إلا أن يكون طارداً وليس جاذباً لها، ليدخل جيتو الخاص به، حتى ولو كان على الشبكة العنكبوتية المفتوحة على مصراعيها للجميع، ما دام رواده هم ذات الشخوص العنيفة في عدائها للقديم، بحث صنعت أصنامها المضادة، لتتعبد لها وحدها، دونما إمكانية لدخولها ودخولهم في جدل صحي على أرض أرض الواقع، ومفارق للتنظريات والفلسفات الهائمة في فضاء يبدو بلا نهاية.
هنا تأتي quot;إيلافquot; بمعادلتها العبقرية، لتفتح نوافذ للعقلية العربية، ليتسلل إليها نور الحداثة الهادي والرصين، ليس ليعمي أبصارها فتفزع وتجمح، بل ليمنحها من الأنوار ما يكفي لكي تتبين معالم الطريق، ويغريها على المضي في طريق الاستكشاف، دونما استشعار بخطر الضياع.. هي خلطة إيلافية إذن اسماً على مسمى، كان أحد معالمها احتضان إيلاف لما عرف عن طريقها quot;بالليبرالية الجديدةquot;، لتنمو على صفحاتها الافتراضية وتترعرع، ويجري الجدل هادئاً بين دعاتها، وبين الذين فاجأتهم الحداثها وأنوارها، حتى وإن كانت تصرح بما يخفيه الكثيرون في صدورهم، ويؤرقهم ساعات الصحو والمنام.
لنا هنا أن نتساءل، إن كانت إيلاف بنهجها هي التي صنعت فجر الليبرالية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط الغارقة في ثوابت القرون الوسطى بهيمنتها وظلماتها، أم أن العصر والحداثة التي لا مهرب منها، هو الذي صنع quot;إيلافquot;، والذي لابد وأن يدفع نحو المزيد والمزيد من ذات النموذج، طالما استمرت عقارب الساعة في دوران؟.. قد يبدو في اختيار الإجابة الأولى بعض النرجسية، كما لا يبدو الخيار الثاني منطقياً، دون توفر رجال من نوعية من صنعوا quot;إيلافquot;، سواء صناعة المؤسسة وإدارتها وتصميم ما قلنا أنه معادلتها، أو من خَطُّوا بعصارة فكرهم وأعصابهم مادتها الفكرية.. الكتاب الذين دخلوا إلى ساحة جدل فكري، في ظروف أبعد ما تكون عن المناسبة أو المشجعة.. ظروف كان فيها الإرهاب الجسدي والدموي حقيقة واقعة تخيم على الرؤوس، والإرهاب الفكري بالتكفير والتخوين يشحن الساحة بضبابه الأسود.. كان الصراع يبدو غير متكافئ بين القلم والكومبيوتر من جانب، وبين والسيف والحزام الناسف من الجانب المقابل.. هل يمكن لأحد أن يتصور أن الانتصار النهائي يمكن أن يكون لغير الكلمة، ولغير الحداثة والحرية؟!
تحية وتهنئة لمؤسس إيلاف، ولكتيبته المحاربة من أجل غد أفضل.. من أجل عالم منير بالحرية والحداثة، وتحية لكل الأقلام الشريفة التي تقف في صحراء الشرق الأوسط، لترسم بسمه، وتبعث بومضة نور لا تقوى كل ظلمات الجهل أن تنتصر عليها.
مصر- الإسكندرية
[email protected]