يجد السويسري روجيه فيدرر نفسه أمام أحد أبرز التحديات في مسيرة جعلت منه أحد أفضل لاعبي كرة المضرب في التاريخ، وهو الإجابة على سؤال يطرح في السر والعلن: هل حان موعد الاعتزال؟

مساء الإثنين بتوقيت الولايات المتحدة، ودع السويسري المخضرم (37 عاما) المصنف ثانيا عالميا، بطولة فلاشينغ ميدوز من الدور الرابع، بخسارته في مباراة من أربع مجموعات أمام الأسترالي جون ميلمان المصنف 55 عالميا. حامل الرقم القياسي في عدد ألقاب بطولات الغراند سلام (20)، فشل في إضافة لقب سادس في فلاشينغ ميدوز وأول منذ 2008.

في تموز/يوليو الماضي، حصل ايضا الخروج المبكر نسبيا من بطولة كبرى، وذلك في ربع نهائي ويمبلدون الإنكليزية، أمام الجنوب إفريقي كيفن أندرسون بعد مباراة ماراتونية شاقة. شكلت تلك الخسارة مفاجأة، لاسيما وأن البطولة الإنكليزية المقامة على ملاعب عشبية، هي الأحب الى فيدرر حامل لقبها في 2017، والرقم القياسي بعدد ألقابها مع ثمانية.

هذه السنة، اكتفى فيدرر حتى الآن بثلاثة ألقاب فقط، الأدنى له منذ 2013 حينما اكتفى بدورة هاله الألمانية، في عام عانى خلاله من الإصابات.

بعد الخسارة أمام ميلمان، حاول السويسري التقليل من تبعات إقصائه، ملقيا بالمسؤولية على عامل غير متوقع فرض نفسه ضيفا ثقيلا على كل اللاعبين في فلاشينغ ميدوز: حرارة الطقس.

قال فيدرر "كان الطقس حارا جدا. لا عيب في ذلك. هذه الأمور تحصل للأسف (...) لذا، تمضي قدما وتأخذ قسطا من الراحة. ثم أعود في كأس لايفر (في شيكاغو بين 21 و23 أيلول/سبتمبر) وآمل بإنهاء السنة قويا".

اعتاد فيدرر على العودة حين لم يكن أحد يتوقع ذلك. بعد ويمبلدون 2012، غاب عن ألقاب الغراند سلام حتى مطلع 2017، حينما تغلب على المصنف أول عالميا حاليا الإسباني رافايل نادال في بطولة أستراليا.

- اللعب أكثر أو... الاعتزال -

أتى التتويج الأسترالي بعد غياب أشهر في النصف الثاني من 2016 بسبب الإصابة. وبعدما اعتقد كثيرون أن فيدرر انتهى، عاد أقوى من ذي قبل، وتوج بثلاثة ألقاب كبرى بين مطلع 2016 وصيف 2017. ما اختلف بالنسبة إليه كان اللجوء أكثر الى الراحة للحفاظ على لياقته البدنية، واختيار التضحية بكامل موسم الدورات الترابية حيث يدرك أنه من الصعوبة بمكان أن ينافس نادال أو غيره من المميزين على هذه الأرضية الصعبة، والتركيز على دوراته المفضلة التي تقام على الملاعب العشبية والصلبة.

الا أن بعض الآراء بدأت تميل لاعتبار أن هذه الراحة ترتد عكسيا عليه.

وقال اللاعب الأسترالي السابق بات كاش لإذاعة "بي بي سي 5" هذا الأسبوع، أن عدم اللعب بشكل منتظم "سيرتد عليه (سلبا) في نهاية المطاف، ويؤدي الى خسارات غير مبررة أو مباريات بأداء سيء".

أضاف "سيحصل ذلك بين حين وآخر (...) عندها تقول لنفسك إما أن ألعب أكثر أو أعتزل. عندما تصل الى المراحل الأخيرة من مسيرتك هذه الهزائم تحصل، وعندها تبدأ بالتفكير +ما الخطأ الذي حصل؟+".

ليس فيدرر من النوع الذي يستسلم بسهولة. لدى سؤاله مطلع 2018 عن الاعتزال، أجاب "لا أعرف (...) علي أن أحافظ على برنامج جيد، أبقى متعطشا، أحدد في وقت مسبق ما هي أهدافي، ما هي أولوياتي".

- "لم يحن الوقت" -

يمكن للسويسري أن يقارن مع لاعبين آخرين تراجعوا لفترات طويلة ثم عادوا: نادال لم يحرز أي لقب كبير بين 2014 و2017، والصربي نوفاك ديوكوفيتش غاب عنها بين رولان غاروس 2016 وويمبلدون 2018.

أما هو، فعاد الى صدارة التصنيف العالمي في شباط/فبراير الماضي بعد غياب منذ 2014، وأصبح أكبر لاعب يتصدر التصنيف.

في هذا الموسم، بلغ المباراة النهائية في ست دورات وبطولات من أصل تسع شارك فيها. الا أن ما أثار القلق في فلاشينغ ميدوز كانت أرقام مباراة الدور الرابع ضد ميلمان: 77 خطأ غير مباشر، 10 أخطاء مزدوجة، وفرص ضائعة للفوز بالمجموعتين الثانية والثالثة. وبحسب إحصاءات رابطة اللاعبين، كانت نسبة نجاح فيدرر على الإرسال الأول 49 بالمئة فقط (ثاني أدنى نسبة له في 98 مباراة في فلاشينغ ميدوز).

العام الماضي، قال المصنف أول عالميا سابقا السويدي ماتس فيلاندر عن فيدرر "عندما تشاهدونه، لا تتابعوا فقط ما يقوم به خلال النقطة. شاهدوا ما يقوم به ما بين النقاط. دائما ما يقوم بمداعبة الكرة أو مضربه (...) أو يعيد الكرة الى الفتية المكلفين جمع الكرات بعدما يكون قد أخطأ بالإرسال. لا أحد يقوم بذلك. لم يقم أحد بذلك من قبل. هو ما زال يقوم بذلك".

أضاف "يبدو أنه يستمتع بإحساس الكرة على أوتار" مضربه.

تحدث فيدرر مرارا عن هذا الشغف المتقد بعد مسيرة احترافية بدأت عام 1998، وحقق فيها كل شيء، لجهة الألقاب أو العائدات المالية من الجوائز وعقود الرعاية (وقع هذه السنة عقدا لعشرة أعوام مع شركة "يونيكلو" اليابانية للتجهيزات الرياضية، قدرت قيمته بـ300 مليون دولار).

بعد مباراته الأولى في فلاشينغ ميدوز 2018 وفوزه على الياباني يوشيهيتو نيشيوكا، أثار الاستغراب بتلميحه الى الاعتزال، اذ قال "الأعوام القليلة الماضية كانت صعبة بعض الشيء (...) أنا سعيد لأنني لم أسقط يوما عند العقبة الأولى. اقترب موعد الاعتزال، لكن ليس بعد".

الا أن السويسري أوضح ما قصده، بالقول لشبكة "اي أس بي أن"، "قلت أنني ربما قادر على الاعتزال الآن، لأنني بذلك سأحافظ على سجل الفوز 18 مرة (في 18 مشاركة) في الدور الأول هنا. هذا ما قصدته".

أضاف "كانت دعابة، لذا لا تفكروا كثيرا بها (...) في الوقت الراهن، لا زلت ألعب". هل بدّل فيدرر من رأيه بعد الخسارة؟ الجواب ملكه.