قبل أن يحل ليونيل ميسي ورفاقه الأرجنتينيين في برونيتسي، كان الهدوء سائدا في هذه البلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرين ألف نسمة والواقعة على بعد حوالي 50 كلم جنوب شرق العاصمة موسكو.

لكن وضع هذه البلدة تغير إذ أصبحت على الخارطة "العالمية" بعدما اختارها الأرجنتينيون كمقر لهم في مونديال روسيا الذي انطلق الخميس ويستمر حتى 15 تموز/يوليو المقبل.

أعلام بوجه ميسي، لوحة جدارية عملاقة عليها رسم نجم برشلونة الإسباني بقميص المنتخب الوطني "تشرف" على المارين ذهابا وإيابا.

لم يسبق لهذه البلدة أن اختبرت هذا الاهتمام الاعلامي والجماهيري، وربما لن تختبره مجددا بعد رحيل ميسي ورفاقه.

توافد قرابة 400 شخص الإثنين الى مقر تمارين المنتخب لحضور أول حصة تدريبية مفتوحة للمنتخب الساعي الى احراز اللقب العالمي للمرة الأولى منذ 1986 وتعويض خيبة خسارة نهائي 2014 أمام ألمانيا.

لم يكن أحد من الحاضرين يهتف "أغويرو" أو "ماسشيرانو" أو "هيغواين"، كان الجميع بانتظار خروج ميسي الى أرضية الملعب من أجل رؤيته عن كثب، ثم سرعان ما علت الأصوات بعد "ظهوره" من داخل المبنى.

"ميسي! ميسي!" كانوا يصرخون، محاولين جذب انتباه النجم الفائز بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم خمس مرات. لم يتجاهلهم نجم برشلونة ورد لهم التحية وحتى أن بقي بعد التمارين من أجل التقاط الصور معهم والتوقيع لهم على التذكارات.

كانت المشاعر الجياشة طاغية في المدرجات، لكن الحماس لم يكن محصورا بالمشجعين وحسب بل حتى أن السفير الأرجنتيني في موسكو ارنستو لاغوريو جاء الى البلدة من أجل رؤية "البعوضة" عن كثب.

وفي حديث مع وكالة فرانس برس، قال لاغوريو "كان الأمر رائعا، سارت الأمور على ما يرام، كانت فترة بعد ظهر لطيفة".

آخرون مثل معلم التربية البدنية لوكاس ليديزما الذي انتظر وصول حافلة الفريق يوم السبت، خالجته المشاعر نفسها بعد الرحلة الشاقة التي خاضها إبن الثلاثين عاما على دراجته الهوائية.

ترك ليديزما البالغ من العمر 30 عاما مدينة كوردوبا الارجنتينية في كانون الثاني/يناير وقطع 14 ألف كلم على دراجته من أجل الوصول الى روسيا ومؤازرة "البيسيليستي".

وعن تطلعاته وما يتوقعه من منتخب بلاده في المونديال الروسي، قال ليديزما "نحلم بأننا نستطيع فعل ذلك (الفوز باللقب). أعتقد أنها كأس العالم التي يستحقها الفريق الوطني والتي يستحقها ميسي وجميع الارجنتينيين".

- "رسم أسطورة" -

إذا كان هناك أي شيء على قدم المساواة مع ميسي في هذا العالم، فهو على الأرجح هذه اللوحة الجدارية الضخمة التي يحدق بها المارة في أحد الشوارع المجاورة للطريق الرئيسي في البلدة.

"عندما كنت أرسم ميسي، كنت أرسم أسطورة من عصري. ميسي هو أحد أفضل اللاعبين (في العالم)"، بحسب ما لخص الفنان سيرغي إروفيف (29 عاما) الذي كلف بإعادة تصميم الجدار بعد فوزه بمسابقة.

يعترف إروفيف، والطلاء ما زال متناثرا على سرواله، بلغة إسبانية ركيكة تعلمها مؤخرا أن لديه حلمه الخاص: "أريد من ميسي أن يأتي لرؤية عملي".

على مقربة من مركز تمارين الأرجنتين، هناك منزل تم تحويله موقتا الى حانة رياضية تقدم "ماتي ليستو"، وهي نسخة من المشروب الأميركي الجنوبي الشعبي المليء بالكافيين.

من المستحيل السير في أحياء برونيتسي دون سماع اسم ميسي على لسان المحليين ورؤية صوره المنتشرة عند كل زاوية وأينما ذهبت، لكن البلدة ستستعيد سكونها وتخرج من الأضواء مجددا ما أن يحزم نجم برشلونة ورفاقه حقائبهم للعودة الى بلادهم بعد انتهاء مشوارهم المؤمل أن يكون حتى 15 تموز/يوليو، موعد المباراة النهائية.