حسم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عدد المنتخبات المشاركة في مونديال 2022 في قطر، فأبقاه عند 32 وتخلى عن رفعه الى 48، في زيادة يرى محللون أنها كانت طرحا غير قابل للتطبيق لظروف سياسية.

وتستعد قطر منذ اختيارها مضيفة للمونديال في كانون الأول/ديسمبر 2010، لتنظيم البطولة الأهم والتي ستقام للمرة الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بمشاركة 32 منتخبا. لكن الاتحاد الذي أقر سابقا زيادة عدد المنتخبات بدءا من مونديال 2026،، سعى في الأشهر الماضية الى تقديم هذه الزيادة الى 2022، وأصدر توصية بذلك في آذار/مارس 2019، وكان من المقرر أن يتخذ قرارا نهائيا بشأنها في اجتماع يعقده مطلع حزيران/يونيو المقبل في باريس.

وقبل أسبوعين من هذا الموعد، أعلن الفيفا بشكل غير متوقع ليل الأربعاء إبقاء المونديال القطري على 32 منتخبا، معللا ذلك بسببين أساسيين هما الظروف الراهنة في منطقة الخليج التي تشهد أزمة دبلوماسية بين قطر وجيرانها منذ العام 2017، وعدم توافر الوقت الكافي لبحث إمكانية استضافة قطر بمفردها لمونديال يشارك فيه 48 منتخبا.

ويقول جيمس دورسي من جامعة "اس راجارتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، لوكالة فرانس برس "أمضينا أشهرا وأسابيع في نقاشات حول أمر فارغ. لم تكن ثمة فرصة على الإطلاق لتوسيع كأس العالم 2022".

ويضيف مؤلف كتاب عن كرة القدم في الشرق الأوسط "كنا أيضا قد قطعنا ثلثي المسافة نحو كأس العالم، وهذا توقيت متأخر جدا لتغيير الأمور".

وبحسب توبياس بورك، المحلل في معهد "رويال يونايتد سرفيسز" للدراسات في بريطانيا، العقبة الأساسية أمام زيادة عدد المنتخبات في مونديال 2022 كانت الأزمة الخليجية التي تعود الى حزيران/يونيو 2017، عندما أعلنت الرياض وأبوظبي والمنامة (إضافة الى القاهرة) قطع علاقاتها مع الدوحة، وفرض مقاطعة اقتصادية تشمل منع الرحلات الجوية وتقييد حركة المواطنين بين الدول.

وكانت زيادة عدد المنتخبات، مع ما يعنيه ذلك تلقائيا من زيادة في عدد المباريات والمشجعين، تطرح تحديات لوجستية وتنظيمية على قطر. وبحسب دراسة جدوى أعدها الفيفا في وقت سابق هذا العام، كانت التوصية بإقامة مباريات في دول مجاورة بحال زيادة المنتخبات.

ويوضح بورك "مساحة قطر صغيرة لاستضافة البطولة (بمفردها مع 48 منتخبا)، والدول الوحيدة التي كانت مرشحة (لتشارك الاستضافة) هي دول الخليج الأخرى، وهذا الأمر كان مستحيل" التطبيق.

ويتابع أن طي صفحة زيادة العدد "كان ببساطة إقرارا من الفيفا بأنه ربما عليه التركيز على كرة القدم بدلا من محاولة نيل جائزة نوبل للسلام".

في الأسابيع الماضية، تم التداول بطرح استضافة الكويت وسلطنة عمان لبعض المباريات في حال زيادة عدد المنتخبات. لكن مسقط أعلنت رسميا عدم رغبتها بذلك، بينما أشارت تقارير صحافية الى أن رئيس الفيفا السويسري جاني إنفانتينو، الداعم بقوة للزيادة، سمع موقفا مماثلا في الكويت التي زارها الشهر الماضي.

ويوضح دورسي "لا تتفوق القوى الكبرى على الكثير من الأمور. لكن ثمة أمرا تتفق عليه، وهو الرغبة في انتهاء أزمة الخليج في أقرب فرصة ممكنة (...) لكنها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق ذلك، ولا سبب يدفع للاعتقاد بأن السيد إنفانتينو سيتمكن من اجتراح حل سحري، بينما لم يتمكن أحد آخر من القيام بذلك".

- حل ينقذ ماء الوجه؟ -

طوال الأشهر التي تم فيها التداول بمسألة الزيادة، لم تعلن الدوحة موقفا رافضا بالمطلق، كما أنها لم تبد ترحيبا دون أن يقترن بـ "إذا" شرطية.

وفي تصريحات السبت، قال حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والارث القطرية "في حال تم اتخاذ القرار (بالزيادة) فسيكون برغبتنا، إيمانا منا بفؤائد الزيادة هذه. اذا وجدنا ان الموضوع لا فائدة منه أو أن سلبياته أكثر من إيجابياته فسيكون قرارنا أن نبقى على 32 فريقا".

وتعليقا على قرار الفيفا، أكدت اللجنة أن قطر أبدت استعدادها لبحث التوسيع "طالما كان ذلك في ما يخدم مصلحة لعبة كرة القدم ودولة قطر كمستضيف أصيل للبطولة"، لكن نظرا لتقدم تحضيراتها وضيق الوقت قبل اجتماع الفيفا الشهر المقبل "تم اتخاذ قرار بعدم الاستمرار" بهذا البحث.

ويرى دورسي أن موقف قطر من هذه المسألة كان مدروسا بتأنٍ.

ويوضح "من الأمور التي تعلموها هو عدم قول +لا+. قُل +ربما، لنبحث بالأمر+. هذا ما قاموا به مع طرح الـ48 منتخبا، لم يرفضوه أبدا بشكل علني. لكنني أعتقد أنهم كانوا يتساءلون اذا ما أرادوا القيام بذلك فعلا".

وعلى رغم الأزمة، غالبا ما يؤكد مسؤولو مونديال قطر 2022 رغبتهم في أن تكون البطولة فرصة لشعوب المنطقة، وهو ما تكرر في بيان اللجنة العليا ليل الأربعاء، اذ أكدت التزام قطر "بتنظيم نسخة مميزة من المونديال تمثل فيها الوطن العربي وتعكس الإمكانات الكامنة لدى شعوب المنطقة".

وبحسب المحللين، قد تشكل البطولة فرصة للتخفيف من بعض القيود بين دول الأزمة، لاسيما على صعيد تنقل المشجعين الذين قد لا تتاح لهم فرصة مماثلة لمتابعة كأس العالم لأعوام طويلة مقبلة.

ويسأل دورسي "ماذا يحصل في تشرين الثاني/نوفمبر-كانون الأول/ديسمبر 2022 اذا استضافت قطر كأس العالم والمقاطعة السياسية والاقتصادية لا تزال قائمة؟"، معتبرا أن الدول الخليجية الأخرى قد تجد نفسها "في مواجهة مشكلة".

ويوضح "هذا جزء من العالم مهووس بكرة القدم. هذه أكبر بطولة في العالم تقام ليس فقط في العالم العربي، بل في حديقتهم الخلفية"، متابعا "أعتقد أننا سنصل الى مرحلة ما تدرك فيها السعودية والإمارات والآخرون، أنهم يحتاجون الى حل ينقذ ماء الوجه".