في القاعة الوحيدة في بغداد المخصصة لتدريبات رياضيي رفع الأثقال، يواصل الرباع صفاء راشد استعداداته على أمل المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020، على رغم أن النزاع بين اللجنة الأولمبية العراقية ووزارة الشباب والرياضة قد يحرمه هذه الفرصة.

يؤدي راشد الذي نال ذهبية وزن 85 كلغ في دورة الألعاب الآسيوية 2018 في إندونيسيا، تمارينه في قاعة رياضية تعطل فيها جهاز التكييف الوحيد، في ظل حرارة تتجاوز الأربعين درجة في صيف العاصمة العراقية الملتهب. رغم ذلك، يثابر الرباع البالغ 29 عاما على تحضير نفسه، آملا في يتمكن من رفع أثقال الحديد... والسياسة والفساد.

ويقول راشد "للأسف لا نعرف ماذا نفعل (...) المطلوب مني المشاركة في ست بطولات تأهيلية للوصول الى أولمبياد طوكيو وغبت عن اثنتين بسبب المشاكل الرياضية في البلاد".

يضيف والتذمر واضح على محياه "منذ عام 2017 وأنا اخطط للوصول الى الأولمبياد لكن الآن اصطدم بعقبة كبيرة بسبب المشاكل الحالية بين المؤسسات الرياضية".

المشاكل التي يتحدث عنها راشد تعود الى منتصف شباط/فبراير الماضي، مع رفض الوزارة الاعتراف بانتخابات اللجنة الأولمبية، بحجة عدم وجود قوانين تنظم عمل الأخيرة منذ عام 2003، معتبرة إياها ضمن المؤسسات المنحلة بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين اثر الاجتياح الأميركي.

- رياضيون ضحايا الخلافات -

وشغل عدي نجل صدام منصب رئاسة اللجنة الاولمبية حتى 2003. وفي مطلع العام التالي، جرت أول انتخابات للجنة الأولمبية العراقية، وشهدت اختيار أحمد عبد الغفور السامرائي رئيسا لها.

لكن الأخير لم يتمكن من إكمال ولاية الأربعة أعوام بسبب اختطافه صيف عام 2006 مع عدد من أعضاء المكتب التنفيذي، والذين لا يزال مصيرهم مجهولا، كما الآلاف من العراقيين الذين اختفوا في أعوام النزاع.

وتعترف اللجنة الأولمبية الدولية بالعراقية منذ تأسيسها عام 1948.

وفي ظل الأزمة الحالية، تأثرت الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية المحلية بسبب مطالبة وزارة الشباب والرياضة من الحكومة وقف صرف المنحة المالية المخصصة للجنة ضمن موازنة&2019، والمقدرة بـ 25 مليون دولار، بحجة الفساد من جهة، وعدم شرعية اللجنة من جهة ثانية.

وأدى ذلك الى حجب المساعدات المالية الرسمية عن الرياضيين، ومنهم صفاء راشد الذي بات يضطر لمواصلة رحلته مع الحديد، مستعينا بجزء من الأجر الزهيد الذي يتقاضاه عن عمله في إحدى الدوائر الخدمية في مدينة شهربيان، والبالغ 400 دولار شهريا.

ولا يختلف حال راشد عن مواطنه أحمد داوود لاعب المنتخب العراقي لرياضة الجودو، والذي لجأ الى قاعة تابعة لنادي الشعلة في العاصمة لمواصلة تدريباته غير المنتظمة.

ويقول داوود (23 عاما) الذي ارتدى بدلة زرقاء ويحمل الحزام الأسود في المنافسة "لا أعرف ماذا ينتظرني. التدريبات غير منتظمة والأجواء غير مناسبة لخوض بطولات خارجية مؤهلة لاولمبياد طوكيو".

وتابع "لا نعلم هل سنستمر بالتدريب؟ كل شيء يعتمد على الأموال ولم نحصل على أي شيء بسبب الخلافات التي أصبح الرياضيون ضحاياها"، مشيرا الى أنه بات يعتمد مع أسرته على ما يتقاضاه شهريا من نادي الجيش الذي يمثله محليا، بمرتب شهري يناهز 700 دولار أميركي، بعدما توقفت عنه منحة اللجنة الاولمبية وتبلع 400 دولار.

- الفساد ليس رياضيا فقط... -

ويشكل المال عنصر تجاذب أساسيا في الخلاف بين اللجنة والوزارة.

وتوقفت الانشطة المحلية والخارجية بسبب وقف الدعم المالي المباشر للجنة الأولمبية بعد مطالبة الوزارة تحويل المنحة المالية المخصصة الى اللجنة الأولمبية، الى حسابها لتتبنى الصرف المالي المباشر للاتحادات.

ويقول المسؤول في الوزارة محمد هادي "مجلس الوزراء العراقي أصدر قرارا يضع بموجبه الصرف المالي للجنة الأولمبية تحت المراقبة لحين الانتهاء من تأسيس قانون جديد يعكف مختصون لانجازه وتقديمه الى الحكومة للمصادقة عليه".

لكن اللجنة الأولمبية تعتبر أن المسألة القانونية تتحمل مسؤوليتها السلطة السياسية أيضا، ولا يجب أن تنعكس على الرياضيين لاسيما في ظل تحذيرات الاتحادات من أن التجاذب سيحرمهم من الحضور الأولمبي.

ويقول الأمين المالي للجنة الأولمبية سرمد عبد الاله "الانتخابات الأخيرة هي امتداد لانتخابات بدأت منذ عام 2004، وعدم تشريع قانون جديد لا تتحمل اللجنة الأولمبية وحدها مسؤوليته".

ويسأل "أين الوزارة ومجلس النواب من 15 عاما؟".

وكما مختلف مناحي الحياة في العراق، بات الفساد جزءا أساسيا من الحياة العامة، وتهمة متبادلة تؤثر على عمل القطاعين العام والخاص.

وفي ظل شبهات الفساد التي تلقيها الوزارة على عاتق اللجنة الأولمبية، يسأل أمين سر الاتحاد العراقي لرفع الاثقال مصطفى صالح "هل الوسط الرياضي وحده يجتاحه الفساد؟ في كل المفاصل هناك فساد".

يضيف "نستغرب أن التصدي للفساد يبدأ بالرياضة"، متابعا "في 2018 خصصت وزارة الشباب والرياضة 30 مليون دينار عراقي (25 ألف دولار) للرباع راشد لحصوله على ذهبية الآسياد، و20 مليون دينار لزميله سلوان جاسم لحصوله على الفضية و20 مليون دينار الى الاتحاد العراقي للعبة لتحقيقه هذا الانجاز. حتى الآن لم نتسلم تلك المكافآت. أين ذهبت؟".

وتشكل رياضة رفع الأثقال أبرز فرص العراق لخوض المنافسات الأولمبية والسعي للصعود الى منصة التتويج، لاسيما وأن هذه الرياضة هي الوحيدة التي نال فيها الرياضيون العراقيون ميدالية أولمبية، وذلك بفضية الرباع الراحل عبد الواحد عزيز في أولمبياد روما 1960.

ويقول مصطفى صالح "الوقت يمضي ونحن نفقد تدريجيا فرصة الوصول الى طوكيو وكذلك فرصة تحقيق ميدالية في الأولمبياد المقبل".