كيف ننظر لعام ينقضي وعام يليه - أعني هنا 20019 و2010 ؟

الجواب يعتمد على الشخص: من هو ؟ هل مواطن عادي؟ ولو كان، فالجواب يعتمد على وضعه الاجتماعي والمعيشي والثقافي وعلى عمره أيضا. فالذي خسر عمله أو وظيفته عام 2009 ليس كم احتفظوا بهما؛ ومن ولد له طفل بعد طول انتظار سنوات، فهو ليس كمن توفي له أحباب في نفس العام.
أما هنا، فالقضية التي تعنيني تخص بالتحديد تقييم المحللين والكتاب السياسيين. وطبعا لابد من حسبان بلد الكاتب والمحلل، والاتجاه السياسي والفكري، والتجربة، ومستوى الثقافة السياسية والثقافة العامة، والعمر، وعوامل أخرى.
سوف نقرأ هذه الأيام وقفات وأحكاما واستبيانات: أي حدث طبع العام المنصرم؟ أية شخصية هيمنت عليه؟ أي إرث يتركه للعام المقبل؟ ألخ.. بعض المعلقين العرب سبقوا وحكموا بأن عام 2010 سيكون عام إيران: أماما أو راء؟ التايمس اللندنية سبقت الجميع- حسب علمي- فحكمت بأن شخصية 2009 كانت نِدا سلطان،[ بكسر النون]، تلك الفتاة الإيرانية الجميلة والبريئة والفنانة التي أزهق أنفاسها بالنار جلاوزة عصابات quot;الباسيجيquot;، التي تأسست بعقلية وسلوك وحشي كما، من قبلها، عصابات فدائيي صدام والإس. إس النازي، والحرس الأحمر الماوي. وبالمناسبة، فإن الصين هي التي دربت وتدرب كوادر الحرس الثوري الإيراني.
إن وقفة ما بين العامين تطلق عندي خواطر وأفكارا ومشاعر متلاطمة، يمتزج فيها الشخصي البحت بالخاص العراقي والعام الدولي- العربي. فما بين شعور الألم لإمعاني في مرحلة الشيخوخة، أفرح لزواج حفيدتي، وإنجابها طفلة رائعة. وما بين تتالي ذكريات الطفولة وبغداد ذلك الزمان وصور الوالدين وكل من غابوا من أحباب، ومسيرتي السياسية الشاقة والمتعثرة، تطغي علي فجأة أحداث العراق المأساوية، وسلسلة الأحداث والكوارث الدولية، فأنسى نفسي وهمومي الشخصية، وأراني، رغم كل شيء، نقطة، ليس إلا، في محيطات البشرية الصاخبة،وإن كل هم أو ضيق أعانيه يتلاشى أمام مآسي مئات الملايين من الجياع والعاطلين عن العمل وضحايا الإرهاب quot;الجهاديquot;، وضحايا الحروب، العادلة منها وغير العادلة.

كيف أقيّم 2009 دوليا؟
شهد العام أحداثا سياسية دولية كبرى، سبق لي أن توقفت لدى معظمها في مقالاتي، كما شهد عواقب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي نرى هذه الأيام بدايات نهايتها حسب الأرقام والتحليلات. كما هناك مرض أنفلوزا الخنازير الذي لا يزال يوقع الضحايا في مختلف البقاع والبلدان.
سياسيا، تقييمي هو أن حصيلة العام كانت سلبية تماما، رغم بدايتها بانتخاب أوباما، وما أحاطت به من هالات وشعبية طاغية، خصوصا في صفوف اليسار الدولي، وعلى الأخص في العالين العربي والإسلامي، حيث كانت ndash; ولا تزال كراهية بوش الابن هي المعيار والمنطلق، لاسيما حرب العراق -، وحيث رنت كلمة quot;باراك حسينquot; في الآذان العربية كمزامير الانتصارات على إسرائيل وبشرى دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967. ولكن هالة اوباما راحت تنقشع تدريجيا بسبب ما تبين من قلة خبرته وتردده السياسي، وتباين وتناقض آراء مستشاريه. توهم أوباما أن مجرد إدانة بوش على كل شيء كافية للنجاح. فبدأ بقرار غلق غوانتينامو والتشهير بشعار quot;الحرب على الإرهابquot; وإدانة ما اعتبره خروجا عن الأخلاقيات والقيم الأميركية في سياسة وأساليب الإدارة السابقة، مصدقا ادعاءات الإرهابيين في غوانتينامو. وقد توهم أن الإرهاب تصاعد بسبب سياسات بوش، وأن إيران تعنتت لنفس السبب، وأن روسيا توترت للسبب ذاته. فراح أوباما يمد يده لمعظم قوى التطرف والتوتر والعدوان والتوسع والانتشار النووي، وأهمل حلفاء أميركا التقليديين في أوربا الغربية، كما بين ذلك عدم مشاركته في احتفالات الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين وركضه، بدل ذلك، نحو الصين بأمل قيام شراكة اقتصادية كبرى. وقد تخلي عن مشروع الدرع، وأهمل مشاعر ومصالح أمن البولنديين والتشيك والجورجيين والأوكرانيين، وذلك في مساعيه لكسب صداقة روسيا بوتين، وأملا في إقناعها بفرض عقوبات جديدة على إيران. ولكن، لا الصين ولا روسيا مستعدتان للتخلي عن إيران وما تجنيه العلاقات التجارية والنفطية والغازية معها من مغانم. وبوتين يواصل تهديد جورجيا، وهو يعلن اليوم أنه سوف يطور التسلح الروسي لمواجهة أي quot;خطرquot; أميركي.
إن فشل اوباما الأكبر كان فشل يده الممدودة لإيران منذ بداية رئاسته، وبرغم كل مناورات إيران وتعنتها المقترن بالتلاعب، ولعل أوباما لا يزال يحلم بحمل قادة إيران على الحكمة بفضل تركيا أردوغان، التي تسير خطوة فخطوة نحو قيام نظام إسلامي متحالف مع إيران بعد أن تنجح خطتها لتصفية دور ومكانة الجيش المتهم بالانقلابية، والذي هو ndash; وهذه حالة فريدة جدا- حامي العلمانية، ولذلك راحت الحكومة الإسلامية تكثر ضده مرارا تهم التآمر لضربه على خطوات مدروسة .
إن ميوعة سياسة الإدارة الأميركية وتناقضاتها ويدها الممدودة لدول العدوان ولقوى التطرف والتوسع لم تجلب للعالم غير مزيد من المشاكل، مما سيترك لعام 2010 ميراثا ثقيلا من المشكلات الكبرى.
أما في قضية الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، ورغم كل مساعي جورج ميشيل، وخطب أوباما الحماسية، فإن القضية ظلت تراوح في مكانها، بل، وتراجعت للوراء بعد انقطاع كل تفاوض، وإعلان أبو مازن عن عدم الترشيح، وإصرار نتناياهو على رفض الوقف التام للاستيطان. وكما قلنا في مقالات سابقة، فإن جورج ميشيل وأوباما طرحا الموضوع من الفرع، الذي، وبرغم أهميته، ليس هو محور المشاكل. ونسي العرب والفلسطينيون جهود الإدارة الأميركية السابقة، ورحلات غونداليز رايس المكوكية للمنطقة وهي وزيرة خارجية لا مجرد مبعوث، واتفاق الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني عام 2007 على السير وفق خارطة الطريق. وسوف نعود في مقال تال لهذا الموضوع المعقد والمتشابك. ولكن نقطة هامة يجب إعادة تكرارها هنا، وهي أنه، إذا كان واجبا تشديد الضغوط على إسرائيل، فقد كان واجبا أن تجري، في الوقت نفسه، الضغوط على الجهات الفلسطينية والعربية والإقليمية، [إيران]، التي ترفض الحلول السلمية، والتي كانت تواجه كل خطوة إيجابية نحو الحل السلمي بقصف الصواريخ وتهديد مكانة القيادة الفلسطينية الشرعية. حماس والجهاد وحزب الله، ووراءهم جميعا إيران وسوريا، لا يقلون مسئولية عن الوضع الراهن عن مسئولية الغلاة في إسرائيل.

لقد فشل أوباما في سياساته وفي تنفيذ وعوده باستثناء الضمان الصحي، وهو مشروع إنساني كبير وعادل. ولكن المشكلة أنه طرح مع انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية والعجز quot;الترليونيquot; في الميزانية الأميركية، ورغم تعديلات أساسية على مشروع اوباما الأصلي، فإن تكاليف الإصلاح المعتمد ستكون بحدود 871 مليار دولار. فمن أين؟ لابد من زيادة الضرائب ليكون ذلك مثار سخط عام.
وماذا عن الإرهاب quot;الجهاديquot; في العالم وداخل أميركا بالذات؟ ذلك هو محور مقالنا الثاني .