سماعيل القادري

ليست لدي معلومات عن عدد المهتمين بالشأن السياسي من العراقيين في الداخل ممن أطلعوا ودرسوا وناقشوا الخطاب ndash;المحاضرة التي ألقاها السفير الأمريكي ببغداد كريستوفر هيل ونشر على موقع السفارة المذكورة باللغتين العربية والإنكليزية في 17/2/2010 وذلك في معهد السلام بواشنطن حيث يأتي هذا الخطاب بعد لقاء السفير وبصحبته الجنرال رايموند أوديرنو قائد قوات الإحتلال في العراق الرئيس الأمريكي باراك أوباما،،أغلب الإحتمالات أن من أطلع عليه من العراقيين كان قليلا والأقل من درسه وحلله وبالتالي استوعبه فهما واستنتاجا!! حيث أن الأغلب منهم مشغول هذه الأيام بالبازار الإنتخابي استعدادا ليوم 7/3/2010،،والواقع يشهد بأني كنت قد قررت ألا أدفع ما أكتبه حول هذا الموضوع للنشر إلا بعد الإنتخابات وإنحسار ضجيجها الإعلامي المفتعل والمقصود أمريكيا بالذات!! ومن خلال متابعتي لما نشر من مقتطفات نصوص رسمية لهذا الخطاب ثيتت على الموقع الرسمي للسفارة الأمريكية ببغداد، استطيع القول بأن متابعته فيها أشياء مهمة جدا لا بل خطيرة من زاوية فهمنا ومصالحنا العراقية،،حيث أن الولايات المتحدة بحكم حقائق القوة والوجود في العراق جاثمة على الوطن العراقي منذ اسقاطها للدولة الوطنية العراقية في 9/4/2003 والى أمد مستقبلي لا يمكن التكهن به ولا هو مرتبط بفكرة انسحاب قواتها من العراق في نهاية 2011 ويعبر عن ذلك السفير هيل بقوله في الخطاب-المحاضرة وهو يستعرض مهام سفارته للعام الحالي 2010 بقوله نصا ((.. وهو أيضا عام تنمو فيه سفارتنا،فهي بحق سفارة غير عادية،وسنكون موجودين هناك،السفارة الأمريكية ستبقى هناك للمدى الطويل،والذين يقيسون مصالحنا في العراق بمقياس حجم وجود قواتنا هناك،أود أن أقول أن رأيهم ليس صائبا،لأننا مهتمون بعلاقة طويلة الأمد،وسفارتنا هناك رمز أكيد لتلك العلاقة)) وما يدعم مصداقية السفير ليست كلماته بل قبلها ما هو موجود على الأرض العراقية فعلا فالوجود الأمريكي ممثلا بالسفارة ببغداد قد جرى تنفيذه على شكل مدينة قلعة محصنة تستوعب في عملها ما مجموعه أكثر من ثلاثة آلاف منتسب يعملون في داخلها ولهم حماياتهم العسكرية المتطورة الخاصة وهذا العدد من العاملين يقارب عدد العاملين في البيت الأبيض الأمريكي بواشنطن والذي تدار الولايات المتحدة وبقية العالم كذلك من خلاله ولربما يأمل السفير بأن تتطور السفارة الأمريكية ببغداد لأن تأخذ دورا محوريا ومركزيا ليس للعراق وحده وإنما للمنطقة العربية في شرق المتوسط والخليج وتكون إدارتها والفعل السياسي لها بما يماثل دور حكومة الهند الملكية البريطانية في القرن التسع عشر ونصف القرن العشرين الماضيين!!..وأقول بأن هذا (التمدد) بموجب الوصف (الشكسبيري-لحلم ليلة صيف ) يجب أن تكون له مقومات غير لغة القوة والعنف والعسكر التي جاءت فيها الولايات المتحدة للعراق وصار لها هناك وهي الآن في نهاية سنتها السابعة للإحتلال!!، فمثلما يبحث العراقيون وهذا من حقهم وواجبهم كذلك على أسس واقعية كريمةلإستمرار حياتهم ببلدهم وحاجتهم لمصالحة حقيقية بينهم كشعب وليس كمكونات!! الواجب على الولايات المتحدة أن تبحث وبجدية متناهية عما يجعلها أن تتصالح مع الشعب العراقي كله وأن تعمل على إزالة آثار عدوانها على العراق،، ولربما يكون الوقت قد حان لأن تعترف الولايات المتحدة بأن غزوها للعراق كان عدوانا على الشعب العراقي بما تحمله هذه الكلمة من معان أخلاقية وما يترتب عليها من إلتزامات حقوقية وقانونية،،صحيح أن الولايات المتحدة أسقطت نظاما شموليا قاسيا في العراق ألا أنها أوقعت العراق والشعب تحت قبضة مجاميع من الشواذ وطنيا،الخونة لبلدهم وتراثه وقيمه وحضارته،،عليه فإن استمرار اعتماد العراقيين لمشروع مقاومة الإحتلال وتداعياته ومؤسساته ورموزه لم يكن بالقياس الوطني شيئا خاطئا وإنما كان ولا يزال طموحا مشروعا لحلم قيام دولة عراقية جديدة من رحم المقاومة للإحتلال!!،، أليس هذا ما يطلقون عليه ويسمونه تاريخيا بالجدل (الماركسي) وتطوره!!؟
ستكون هذه الكتابة نوعا من الحوار السياسي والفكري مع ما كتبه السيد السفير،لذا فإن منهجه سيكون وفقا لما جاء من نقاط ليست بالضرورة متسلسة على نمط كتابته لكنها فيما أعتقد تكون مترابطة سياسيا ومحترمة لعامل الزمن،في بداية الصفحة الرابعة من ترجمة الخطاب ndash;المحاضرة نقرأ عبارة (( لقد اعتنق الشعب العراقي حقيقة الديمقراطية كواقع حال )) استنتاج مهم لا بل وخطير لأن عبارة واقع حال حقا تعطي مؤشرا حول اسلوب وكيفية اعتناق الشعب العراقي لهذه الديمقراطية!!،وهذا ما يمكن التعريج إليه في فقرة قادمة لكنني توقفت كثيرا عند الفقرة اللاحقة حيث يقول (هل) بما نصه:- (( من أبرز القضايا الرئيسة في الأسابيع الأخيرة التي كانت صعبة جدا هي قضية اجتثاث البعث.فعلى ضوء التاريخ،وعلى ضوء الإرث البعثي في العراق،إذا نظرتم الى الستينيات وكيف كانت الولايات المتحدة قلقة جدا من احتمال انتشار الشيوعية الى العراق،وكيف كان البعث يرى بإعباره بديلا عن الشيوعيةحيث كانت الولايات المتحدة تفضل البعثية في عماية عام 1968 والتي أدت الى عودة البعثيين،كيف كانت الولايات المتحدة تفضل ذلك على محصلة يصبح فيها العراق شيوعيا...))
هذه برأيي عبارات خطيرة تصدر عن رجل مسؤول في بلده ويحتل موقعا متميزا يوازي موقع رئيسه أوباما في بعض المسؤوليات والمهام!!،،
ما ذكره السفير في هذه الجملة هو استناج متعسف وغير حقيقي عما كان موجودا في تلك الفترة التاريخية،، ولو عدنا لها وبتفصيل مختصر لوجدنا أن المنطقة كلها كانت قد وقعت قبل الإنقلاب المشار إليه في العراق الى ما سمي بنكسة حزيران 1967 والتي من جرائها احتلت (إسرائيل) الضفة الغربية الفلسطينية والقدس العربية وهي من أجزاء من المملكة الأردنية الهاشمية ومرتفعات الجولان السورية من سوريا والضفة الشرقية من قناة السويس وصحراء سيناء من مصر وفي ردة فعل عنيفة على تلك الهزيمة الكارثة بدأت الأنظمة العربية تتلمس الطريق لحلول سياسية ودبلوماسية دولية وفي نفس الوقت تحاول بناء قوتها العسكرية الذاتية رافعة بذلك شعارات تحريضية مثل (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)،، وكان العرب شعوبا وأنظمة قد توجهوا بالإتهام للولايات المتحدة وإدارة الرئيس (ليندون جونسون ) بأنها كانت السبب الرئيس في تمكين (إسرائيل) في تحقيق هذا النصر السريع الكاسح لها في ميدان المعارك وكانت هناك اتهامات مباشرة اهمها وأخطرها كانت حول ضرب المدمرة الأمريكية (ليبرقي) من قبل الإسرائليين في البحر المتوسط من قبل الإسرائليين وسقوط عدد من بحارتها قتلى وجرحى وكان المعروف أن تلك المدمرة تحمل على متنها منظومة من الأجهزة الإلكترونية المتطورة للتجسس والتشويش الإلكتروني،،ومرة أخرى برز دور الإتحاد السوفييتي في المنطقة كحليف ومؤازر لعدد من الأنظمة العربية المتعاملة أساسا معه وفي مقدمتها مصر عبد الناصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن،هذا في الوقت الذي بقيت فيه دول الخليج والسعودية على روابطها المتينة مع الولايات المتحدة الأمريكية،، وإذا ما عدنا لبعض المواقف التي رافقت عدوان 67 وما بعده نجد أن الدور العراقي ممثلا بالجيش العراقي كان له من الحضور على الجبهة الشرقية لتلك الحرب وفي الوقت الذي نجحت فيه (إسرائيل) من القضاء على أمكانيات القوى الجوية لكل من مصر وسوريا كان الطيران العراقي يشتبك مع الطائرات الإسرائيلية ويسقطها ويأسر عددا من الطيارين وقد عرضوا في وسائل الإعلام العراقية آنذاك ولا ننس الضربة الجريئة التي نفذها الطيار العراقي الكردي الرائد محمد حسين حين توجه بقاصفته العراقية السوفيتية الصنع (تي يو 16) الى تل أبيب ليؤدي مهمته القتالية البطولية هو وطاقم القاصفة الذين كانوا معه ويسقطوا شهداء على أرض فلسطين!!،،
في تلك المرحلة ما يهم هو كيف نظرت الولايات المتحدة الى الدور العراقي والعراق يحكم من قبل الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف الذي ورث الرئاسة عن شقيقه الراحل عبد السلام عارف حينما انتهت رئاسته للعراق بحادث سقوط طائرة الهليوكوبتر التي كان يستقلها في جنوبي العراق يوم 13/4/1966، لقد (اندفع ) الرئيس عبد الرحمن عارف في حرب 67 وعزز تضامنه مع مصر وشارك في الزيارة المشتركة مع الرئيس الجزائري (هواري بو مدين) الى موسكو حيث جلس الزعيمان العربيان وجها لوجه مع القيادة السوفيتية بزعامة (ليونيد برزنيف ) يبحثان ويناقشان العدوان الذي حصل وكيفية إزالة آثاره ويتعهدان بالتغطية المالية لتكاليف تسليح دول المواجهة العربية في مصر وسوريا ولم تكن تلك الزيارة ببعيدة تنسيقا وتخطيطا مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،لذا شكل هذا الموقف العراقي مع الجزائر علامة غير مريحة وسلبية من قبل الأمريكان تجاه الرئيس عارف وحكمه ببغداد،ويضاف الى ذلك هو توجه العراق نحو تعزيز علاقاته الإقتصادية مع فرنسا (الديغولية) حيث تجلى ذلك في اتفاقات التسليح العراقية بأسلحة فرنسية خصوصا القوة الجوية العراقية التي تسلمت الدفعات الأول من الطائرات الفرنسية الحربية (الميراج) المتطورة،، وكان للنفط العراقي حضوره الخاص في المعادلة العراقية الفرنسية فقد أعطيت شركة ألفا- إيراب الفرنسية حيزا مهما للمشاركة مع الحكومة العراقية في موضوع النفط خارج إحتكار الكارتل النفطي المعروف بإسم (شركة نفط العراق)،،
ولتأكيد مشاهد صور الأحداث في تلك الفترة قد يكون من المفيد أن نعود الى اللقاء الذي أجرته صحيفة (الصباح) العراقية مع السيد قيس نجل الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف المنشور بعددها ليوم 19/2/2010،حيث يقول فيه بما نصه ((.. وأيضا قام الرئيس الراحل بزيارة تاريخية الى الاتحاد السوفييتي مع الرئيس الجزائري الراحل هواري بوميدين وخلال الزيارة اقنعوا الاتحاد السوفيتي بالمباشرة فوراً باعادة تسليح الجيش المصري و الجيش السوري وكان هذا موقفاً وطنياً عربياً مشرفاً يسجل الى الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف.
* ما أهم منجزات الوالد خلال مجموعة زياراته الى الخارج، وما هي أهم زياراته؟
- الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف هي زيارته التاريخية الى فرنسا أيام حكم الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول فقد قام بزيارة رسمية الى فرنسا للفترة من 6 / شباط / 1968 لغاية 10 / شباط / 1968.
لقد كانت لهذه الزيارة أبعاد عديدة انعكست على العلاقات العربية - الفرنسية، وكانت بمثابة الدعامة الأساسية في كسب المعركة الدبلوماسية العربية وخاصة بعد نكسة حزيران 1967، وأن تنطلق هذه المكاسب الى بقية الأمم التي كانت تجهل حقيقة المعركة التي يخوضها العرب ضد اسرائيل نتيجة التعتيم الاعلامي وتفوق الاعلام المضاد والمحالف له على أحقية القضايا العربية.
ولا أخفيك فان فرنسا بعد هذه الزيارة التاريخية وبفضل العراق ورئيسه وقفت مفتوحة العينين ووعت حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط.
قانون التأميم
وعن السياسة النفطية في العراق في عهد الرئيس عبد الرحمن محمد عارف يقول الخبير النفطي الدكتور عصام الجلبي وزير النفط الأسبق:
تم في عهد الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف التوقيع في 20 تشرين الثاني عام 1967 على اتفاقية عقد الخدمة بين شركة النفط الوطنية العراقية وشركة الف-ايراب الفرنسية ( والتي اعتبرت في حينها ضربة للمصالح االغربية) وقد تم تشريع ذلك بقانون في 3 /2/ 1968 وذلك تنفيذا لأحكام المادة الثالثة من القانون رقم 97 لسنة 1967 (والذي لا زال نافذ المفعول ليومنا هذا).
ويرى قيس عارف ان هذا القانون الذي كان بمثابة الأساس الأول نحو تأميم النفط العراقي من الشركات الأجنبية، وهوالسبب الرئيس في سقوط نظام والده الذي رفض منح الشركات العالمية امتيازات في مجالات النفط والكبريت، بمعنى أنه حظر على الشركات الأجنبية الاستثمار المباشر في مجالات النفط والغاز والكبريت، ولم يعترض على أن تعمل كمقاول عند الحكومة العراقية. ))
لهذه الأسباب وغيرها من التفاصيل التي سادت في تلك المرحلة قد دفعت الأمريكان لخوض التسابق على الوصول الى (عرش) العراق وفتح بوابات القصر الجمهوري العراقي للقادمين الجدد في انقلاب القصر في 17 تموز 1968،وتولي الثنائي أحمد حسن البكر وصدام حسين السلطة في العراق بإسم تنظيم حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق،،ومن هنا نرى أن تقويمات السفير الأمريكي لم تكن دقيقة ومتطابقة مع أحداث وتاريخ المنطقة حيث ربط حركتهم (الأمريكان) بما أسماه بتزايد احتمالات الخطر الشيوعي على العراق،، فهذا الخطر كان واهمة!! حيث أن الحزب الشيوعي العراقي كان لا يزال يعاني مما حصل له في الثامن من شباط 1963 وما بعده من تدمير لإمكانياته التنظيمية وتفتت في مواقفه السياسية حيث خرج ما سمي بخط ( آب 1964) وما تبعه من انقسامات تكتلية وخروج مجموعة مهمة أطلقت على نفسها اسم (تنظيم القيادة المركزية ) رافعة شعارات الكفاح المسلح من أهوار العراق الجنوبية ونعرف بالتفاصيل كيف كانت النهاية المأساوية لمناضلي القيادة المركزية الوطنيين بعد انقلاب 1968 في بغداد،وكيف استسلم عزيز الحاج لسلطة بغداد وصار جزءا منها وسفيرا لها في (اليونسكو ) بباريس لأكثر من عشرين سنة!!،ومن ثم أبدل بندقيته الى الكتف الآخرليصبح هذه الأيام مع الإحتلال الأجنبي للعراق ومنظومته الدعائية.. لذلك لن ندخل مع السفير كريستوفر في نفق هذه القصة وأوهامها!!
حيث أننا قد تعلمنا من التجربة المرة وتداعياتها عبر السنين الطويلة كيفية التعامل مع الحقائق ومن دون الإنزلاق نحو العواطف الذاتية وأوهام الصداقات أو العداوات الدائمتين في السياسة!!،وللحديث صلة وتواصل..

واشنطن في 11/3/2010 اسماعيل القادري

Email: [email protected]