البرلمان العراقي المُكون من 325 مقاعداً سيكون موزعاً بين الكتل السياسية التي ستشغله قريباً. فما الذي يحملوه قادة الكتل في جعبتهم من مشاريع وخطط وهم يتطلعون الى دور قيادي جديد؟ عِبرَ نافذة الموقع الالكتروني الحكومي، كان المالكي قد صرح بأن الحكومة المقبلة ستكون حكومة اغلبية سياسية دون فرض المحاصصة، وأوضح لوسائل الأعلام أسباب أنخفاض نسبة الانجازات الحكومية للسنوات الأربع الماضية يعود الى عدم فهم بعض الوزراء للانسجام مع رئيس الحكومة وارتكبوا مخالفات وتجاوزات بعيدة عن المهنية.

فماهي الضمانات الجديدة لتجاوز سلبيات الماضي ومعالجتها وإطلاق المشروع العراقي الضخم للسنوات القادمة في عملية الاعمار والتنمية الاقتصادية ورفع نسبة الخدمات؟

ولاشك أن هذه الكُتل التي حصلت على نتائج جيدة في الأنتخابات تتطلع إلى دور قيادي فيما لو أنيطت لها المسؤولية، وخاصة تكتل القائمة العراقية الذي يضم عناصر سياسية حكومية مخضرمة واسعة الأطلاع والمعرفة الأدارية والفنية. وتكتل الأئتلاف العراقي الشيعي الذي يقوم بالتنسيق بحرص مع التكتل الكردي، في وقت يقف تكتل قائمة دولة القانون بثبات في وسط دائرة المشهد العراقي. فالأنتخابات الحالية أتسمت بمراجعة الناخبين (حسب قدراتهم الثقافية والفكرية ) وأستقرائها لهذه الكتل ونقدها في حقول عدة:

الحقل الأول من الأهمية هو الأمن : تتبعَ العراقيون حاجة العراق الى نقلة نوعية في جهود تحقيق الأمن والأستقرار في ربوع العراق ووحدة أراضيه بعد الخروقات والأخفاقات الأمنية التي أودت بحياة الكثير من الابرياء بدخول الانتحاريين من دول محيطة، ومواقف هزيلة من مسؤولين تغاضوا عن توجيه الأنظار الى الجهة الحقيقية التي قامت بأرسال الانتحاريين وأرتكاب عمليات تخريب وتفجير ودمار وقتل. فكان من الملاحظ في هذا الشأن هو حفاظ القيادات الكردية على كيان العراق المُوحد وسيادة أراضيه، قياساً ومقارنةً، بالقوى العربية التي حاولت تمزيق وحدته وتغاضت قولاً وعملاً عن قوى أرهابية عديدة ممولة بالمال ومجهزة بالسلاح والخرائط وتعريفها لأهداف حيوية عراقية لضربها وتخريبها.

وقد تتبع المواطنون والناخبون بشكل خاص وبذكاء شعبي مرهف الحس، القيادات العلمانية العراقية، أشخاصها، ميولها، دوافع تكتلاتها وأنتماءاتها المذهبية والقومية، فجاءت النتائج مُخيبة للأمال، ولم تكن مواقفها الرسمية أِلا أعادة لمسرحية (كثرة التصريحات وقلة ألأنجازات )، وليكون سجل تاريخها الوطني (كثرة جهود المداولات الخارجية وقلة جهود المصالحة الوطنية الداخلية )، وبالتأكيد، ( تأليبها لقوى أسلامية متزمتة عنصرية خارج وداخل العراق) عند أستقراء تحالفاتها الأقليمية وأثارة الخلافات داخل الحكومة السابقة التي كانوا هم أنفسهم جزء منها ولكن بمنأى عنها. كما أن رؤية المواطنين الحذرة من التوجهات الفكرية السياسية وألأهداف التي تحملها هذه القوى، جعلتهم (كما يفعل معظم الباحثين) يتشاورون في تحليلها بطرق منهجية.

بكلمة أخرى، فأن أنحسار المد الديني الذي كنا نأمله ُقوبل بتحرك شخصيات ومكونات علمانية متذمرة ضليعة بالمناورات والتشكيك، وهو أمر أقف كالأخرين حائراً بشأنه.

الحقل الثاني من الأهمية هو شيعة العراق : فرغم قوة الكلمة وحرية الصحافة الأعلامية وتَوفر الأموال الأنتخابية لتضليل أبناء العراق من السنة وتحريضهم ضد الشيعة (وهي اللعبة الأستعمارية القديمة ) وسرقة توجهاتهم المذهبية بشتى الطرق المتاحة وبالأسلوب السياسي الساذج للاسراع بتحالف قوى أنتهازية ضيقة الافق في القائمة العراقية واتهامها المبطن لشيعة العراق بانهم يرفعون راية الولاء لأيران ويسمحون لها بالتدخل في بالشأن العراقي، فأن ذلك الاسلوب الصدامي العنصري القديم لم يجلب أِلا التقزز والنقمة بين الأوساط الكردية والشيعية والسنية الحرة، ولم يُعد ينطلي أِلا على القلة من الناس.

فشيعة العراق لايرفعون رايات الاستسلام لأي جهة خارجية ( أمريكية، عربية، أو أسلامية ) كما أفترى عليهم البعض، والعلاقة مع الجارة أيران تتطور برغبة حقيقية من الطرفين، كما هي الرغبة في حمل غصن الزيتون لتطوير العلاقات مع الدول الأقليمية الأخرى التي ناصبت العراق العداء وأرستْ القواعد الجوية والمنشأت العسكرية في بلدانها لمهاجمة العراق في العقود الزمنية الماضية. والمكون الشيعي يُدرك المصلحة المشتركة التي تُرَسّخُ على ضوء العلاقات التاريخية والتجارية وزيارة المعالم الدينية بين الدول الأسلامية. كما أن شيعة العراق يشاركون وباتفاقات (مُعلنة وشفافة ) في مظلة القوة الأجنبية المتواجدة في المنطقة وهي القوة المُفضلة لدى بعض الدول العربية والأسلامية الخاضعة تماماً لهذه المظلة قبل قيام النظام الديقراطي العراقي ومازالت قائمة.

الحقل الثالث من الأهمية : هو عدم تمييز بعض الكتل بين السلطة السياسية التي تعني للعراقيين (الخدمة العامة ) والتسلط السياسي الذي يعني بأختصار ( الأستبداد والظلم ). وكان للسطة الممنوحة لحكومة المالكي بشرعية، خصوم تسلط حكومي، وتسلط ساده مخالفات شرعية في تقييد يده في محاسبة القتلة واللصوص والسراق. وتسلط سادته أخطاء المشاركين في السلطة والتي لن يكون في الأمكان أستبعادها في حينه.

ومع ترجيح معظم المثقفين لقائمة علاوي للفوز بنصيب جيد من الأصوات والمشاركة في الحكومة المرتقبة، أِلا أن خوف الشارع الكردي والشيعي بالذات يعود الى التكتيك السياسي المصلحي القائم على فكرة جمع أي مجموعة تنتمي ألى قوى عالية الثقافة والمعرفة السياسية ولكنها تتصنع العلمانية أو تتشبه بها، وقامت الى الآن بالتنديد والتشكيك وألأنتقاد الحاد لأداء حكومة المالكي وكيل الاتهامات بنزاهة الانتخابات لقوى خارج محيط الارضية الأنتخابية، وقد كان ذلك من الاسباب الحقيقية لتلكؤ القوى الليبرالية الواسعة من التكنوقراط في التصويت لهذه القائمة، لقناعتها بأنها قد لاتؤدِي الى النتائج المرجوة في فصل الدين عن الدولة، لأسباب معظمها تعود الى قدرة بعثيي الأمس الألتفاف بالطرق القديمة على مبادئ الديمقراطية والفدرالية. فالقائمة التي لم يكن لها وجود قبل بضعة أشهر من الأنتخابات قد تكون مجرد قائمة عقد تحالفات مؤقتة بين قوى مصلحية سرعان ماتنهار بعد فترة بخلافات توزيع الحقائب النيابية والغنائم والأمتيازات.

ان ذلك جعل الكثير منا يتسائل عن وزن بعض هذه القوى وقيمتها الحقيقية في دفع عجلة التقدم الحقيقي وتجاوز الحالة السياسية الساخنة في مجتمع تطغي على تركيبته صفةالأنتهازية والعشائرية والحلول المُجزءة. فالمشهد العراقي يُعيد تعريف المُسميات بأعادة التحالفات التي سببت في حرق حلفاء الأمس بعضهم للبعض. ومع أننا نتوقع بأن القائمة العراقية ستحصل على مقاعد برلمانية بنسبة جيدة وتعيد رأب الصدع بتحالفات جديدة فأنها ستعيد تنظيم صفوفها بشكل يعيد القناعة العراقية ببرامجها العلمانية بعد ألأخطاء العديدة لمواقف سُجلت ضدها قبل وخلال أنتخابات السابع من أذار الحالي. والتركيبة البرلمانية القادمة ستشهد تقارب كتل وتباعد أخرى، بعد أن أتخذت كتلة دولة القانون المنحى السياسي الواضح وأتبعت خطاً أيدوليجياً جديداً بأرادة عراقية مستقلة نوعاً ما وألتزمت بضمانات أكثر نفعاً للمواطنين. وقد يَنظم لها التحالف الشيعي والتحالف الكردستاني في الأيام القادمة والتنسيق معها.

وأغلب الظن أن سياسة التسقيط وحملات التصفية السياسية وحرق الأسماء الوطنية ستستمر، وقد تتعرقل مشاريع قوانين تنتظر المصادقة ويعاد النظر في فقرات الدستور بخصوص بعض الغموض الذي يتعلق بالفقرة الثانية من المادة 66 التي تخص اختيار نائب أو اكثر لرئيس الجمهورية. وقد يقتضي ذلك تعديل الدستور وتقليص مناصب (رئاسة الجمهورية الثلاثة) الى منصب أنتخابي واحد وألغاء المنصبين لكونها تكريس للطائفية والخلافات الدستورية والصراع الحزبي.

والحقيقة كما ذكرتها مراراً في مقالات سابقة، هو عدم وجود أي حاجة تنفيذية لمثل هذه المناصب في أي من الدول البرلمانية الديمقراطية، لأن مناصب نواب الرئيس ومستشاريهم هي بمثابة مصدر لعرقلة تنفيذ مشاريع الدولة وصراع شخصي أيديولوجي، كما حصل في أثارة العراقيل وألأعتراضات وتمرير بعض القوانين، والخلافات بشأن فهم وتفسير مواد دستورية كالفقرة (140) من الدستور العراقي المتعلقة ب ( التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها) وأمور معلقة تخص الأقاليم المادة (112) فيدرالية الجنوب. فالأقاليم في النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية لم يُشكل منها الى الآن أِلا أقليم كردستان العراق.

ان مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة ستشهد ماتقدمه الكتل من وثيقة سلوك للشعب العراقي الذي أفتقد من يقوده ديمقراطياً الى بر الخير والأمان ويحقق له الأنجازات الموعودة في المجالات الإقتصادية والتعليمية والزراعية والصناعية والقانونية

أستاذ جامعي وباحث سياسي

[email protected]