من الأسماء التي كانت دارجة لquot;الدستورquot; أواخر القرن التاسع عشرة وبداية القرن العشرين quot;المشروطيةquot;. وقد عرفت الدولة العثمانية، كما إيران الشاهنشاهية، خلال تلك الفترة انتفاضات سياسية عرفت بquot;ثورات المشروطيةquot;.
و رأيي أن مصطلح المشروطية قد ظهر في الأوساط الإصلاحية الإسلامية والعربية، جراء تفاعل مع الغرب و ترجمة لمعنى الدستور كما ظهر في الدول الغربية التي عرفت قيام أنظمة ديمقراطية دستورية، اشترطت فيها الشعوب على حكامها شروطا، حددت سلطاتها وعددتها ومنعت تغولها واستبدادها، بعد أن كانت هذه السلطات مطلقة غير محددة أو مشروطة أو مراقبة.
وكان الهدف من مطالبة الإصلاحيين المسلمين والعرب حكامهم بالتوافق على quot;مشروطياتquot; أو وثائق عليا للحكم، إنهاء أنظمة الحاكم المطلق أو الحاكم الإله، وإرجاع مصدر السلطة إلى الأمة، ولم يكن يخطر على بال هؤلاء الإصلاحيين أبدا، أن تنقلب المعادلة بعد مائة عام أو يزيد، فتكون للأمة فعلا دساتير أو مشروطيات، لكنها دساتير لا تحد من سلطة الحاكم المطلقة إنما توفر لها شرعية التي لا يجوز تجاوزها، ومشروطيات تشترط على الأمة طاعة أولي الأمر العمياء و القبول بدور الماشية الصماء في حظيرة يسوسها رجل لا ينطق مطلقا عن الهوى.
الرئيس المصري نهض من فراش المرض بحمد الله، لينصح شعبه بالمشي على سراط الدستور المصري المستقيم، لأنه يدرك سلفا أن هذا الدستور لا يمنح أي أمل لشعبه في التغيير المنشود، و لعله ndash; بل إنه- سيفضي لا محالة إلى توريث الإبن وتحويل الجمهورية جملكية، على نحو ما أفضى إليه الدستور السوري العظيم، الذي بايع من خلاله نواب الشعب العظماء الأسد الثاني، وكذلك يفعلون، مع أسد ثالث ورابع..إلخ، فيا لها من مشروطية عربية عبقرية و يا له من دستور فذ.
وحتى لا يصدق في هذه المرة قول الشاعر العراقي مظفر النواب مثلما غمز أحد الإخوة الأعزاء، أقول أن دستور بلادي التونسية جعل من صلاحيات رئيس الدولة صلاحيات قيصر روماني لا صلاحيات رئيس جمهورية، فقد وقفت قبل سنوات من خلال دراسة قمت بها حول الدستور التونسي، أن رئيس الجمهورية هو بحسب المواد الدستورية، ليس رئيسا للسلطة التنفيذية، إنما هو عمليا صاحب السلطة التشريعية (البرلمان التونسي مشرع ثانوي) والسلطة القضائية باعتباره القاضي الأعلى وصاحب الأمر على وزارة العدل الوالية على القضاة منحا وحرمانا و تنظيما وعقابا.
و العبرة، أن الدساتير السائدة في العالم العربي، هي فعلا مشروطيات، ولكنها ليست على الحاكم إنما على المحكومين الغلابى أصلا والمساكين، وهي ليست ضمانات لديمقراطية الأنظمة إنما هي ضمانات في يد الحاكم الفرد المطلق، يسوم بها شعبه سوء النظام ويحول بها دون تحقق الحرية الحقيقية والكرامة الإنسانية..
كل شيء أفرغه العرب من محتواه الحقيقي، الديمقراطية والدستور و تعدد السلطات. والتقدم التكنولوجي في بلاد العرب بدل أن يخدم المجتمع، خدم السلطان وأعوانه الأشداء الغلاظ quot;الحنينينquot;(حفظنا الله وإياكم من عطفهم وحنانهم)..و لاحول ولا قوة إلا بالله.