النصيحة الأولى!

أتذكر جيدا! كان ذلك قبل زمن بعيد جدا،

كأنه قبل أن تصل الحمامة إلى السفينة، وقبل أن تنبت شجرة الزيتون في الأرض المالحة!

كنت واقفا على تلك الصخرة، وحيدا، أنا جذع شجرة قصمتها العاصفة،

والصخرة متوحشة نافرة، حيوان جريح، صامتة وقد أكلت الرياح وجهها، وأبقت لها عينين من زجاج وذهب!

أترنح من بقايا سنين طائشة، لم يكن بيدي قيادها، تولى أمرها الآخرون!

لم أكن أعلم أن حد الصخرة هو حافة الهاوية!

بقيت أترنح، لم يكن في ساحتي، لا الخمر ولا الصحو، لا النور ولا الظلام، لا الكفر ولا الإيمان، لا الجسد ولا الروح، رقصة مجنونة على الخط الأخير، والهاوية أنياب لبؤة جائعة تتلهف لالتهامي!

أجراس كثيرة تدق في الآفاق، معلنة النهاية،

عندما تقدمت أيتها الجميلة وجذبتي إلى صدرك، يا للسفينة حين تصير شاطئا للبحر، والبحر كله حفنة ماء في مرجلها الفوار!

ورحلنا، لم نسأل؛ إلى أين؟ وهل ترتجى بعد تلاشي البحر؟ أرض أو سماء؟

وضعت رأسي بين نهديك، وبدأ المسار، طريق مهلك بفتنته، مسكر برحيق زهره ونثيث غيومه، لا نريد للرحلة أن تنتهي، أو نقر أن شاهدة قبر في بلاد نائية يمكن أن تكون وتدا لحصان جاب الأرض كلها!

&

النصيحة الثانية!

لكي لا تموت مبكرا، أو لا تموت أبدا، لا يكفي أن لا تدخن، أو تعاقر الخمر!

لا يكفي أن تكف عن قراءة الكتب الحمراء والصفراء، ووجوه رجال ونساء السياسة، وثيران المصارعة، وقوائم الأسعار في الأسواق!

لا يكفي أن لا تعبر الشارع والسيارات مسرعة!

لا يكفي أن تخفض صوت المسجل القديم لكي لا تسمع جارتك العجوز أغانيك الحزينة يغنيها مطرب أعمى مات منذ خمسين عاما، فتشكوك لدى شركة السكن!

لا يكفي أن تطهر لقمتك من الدهون، وتمشي كثيرا، وتنام طويلا، لا يكفي، ولا يكفي، ولا يكفي!

ما يجعلك تعيش طويلا، وربما أبدا، هو أن تحب امرأة من أعماق القلب، وتذهب معها حيث بحيرات الدموع والنسيان، والعشب الكثيف النابت بينهما!

هناك ستتيهان في واحة الفتنة، وستنساك هي، وينساك الموت، فتعيش طويلا وأبدا، وحتى يعود كل العشاق إلى بيوتهم الأبدية الحالمة، وحيث السهرات لا تنتهي!

&

[email protected]