حين سقطت طائرة الركاب الروسية طراز إير باص فوق سيناء يوم الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، قلنا حادث قضاء وقدر، فطائرات إيرباص على وجه التحديد أكثر الطائرات التي تسقط، ولجنة التحقيق هي المخولة بكشف أسباب سقوط الطائرة، لكن ما حدث أن الدنيا انقلبت رأسا على عقب، ولم تمض سوى أيام معدودة حتى فوجئنا بتصريحات بريطانية وأميركية بأن عملا ارهابيا أسقط الطائرة، لم تنته الحكاية عند هذا الحد، بل خرج علينا ديفيد كاميرون رئس حكومة بريطانيا وأوقف الرحلات إلى شرم الشيخ، وطالب مواطنيه بمغادرة المنتجع في نفس اليوم الذي التقى فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي في 10 داوننغ ستريت ضاربا بقواعد اللياقة الدبلوماسية عرض الحائط.

تزامن مع هذه الإجراءات حملة من الأكاذيب تنشرها وسائل الإعلام الغربية لاسيما الأميركية والبريطانية بشكل يومي، وكلها تجزم بأن عملا إرهابيا يقف وراء سقوط الطائرة الروسية، على الرغم من أن التحقيقات لم تكشف بعد سبب السقوط، مع ذلك تراجعت أخبار سوريا واليمن وليبيا والعراق واللاجئين لتصبح الطائرة الروسية العنوان الأول في صدر نشرات الأخبار، لم يعد سقوط الطائرة مجرد حادث كحوادث الطيران واخرها سقوط الطائرة الماليزية التي لا يعرف أحد عنها شيئا حتى الآن، بل أصبحت هناك أطراف في واشنطن ولندن تدفع باتجاه الجريمة، سمعنا فيديو منسوب لتنظيم داعش الإرهابي يتبنى المسؤولية عن إسقاط الطائرة دون توضيح كيف حدث هذا وهو في ظني أمر مستبعد تماما فلا تنظيم داعش موجود في سيناء، ولا يملك صواريخ لإسقاط طائرة على ارتفاع ثلاثين الف قدم، الهدف من هذا التبني المزعوم اظهار مصر غير مسيطرة على سيناء، وإيجاد ذريعة لتدخل دولي في سيناء التي كان يريد الإخوان منح 1000 كيلو متر منها للفلسطينيين، وفق ترتيبات أميركية قديمة لحل القضية الفلسطينية&على حساب سيناء، كما جاء في تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة مؤخرا.

وسائل الإعلام الغربية هي الأخرى بدأت تنسب لمصادر مجهولة تصريحات ترجح فرضية العمل الإرهابي بعد تصريحات كاميرون بأن قنبلة أسقطت الطائرة، وما يؤكد عدم صحة معلومات كاميرون هو أن خبراء حوادث الطيران في العالم يستبعدون هذا الاحتمال لأنه لو صح لرأي المحققون آثار مادة (تي ان تي) شديدة الانفجار على جثث الضحايا التي لم تبدو عليها أثار حروق، كاميرون رئيس وزراء ضعيف وعلى خلاف مع نواب مجلس العموم بشأن محاربة داعش في سوريا، فالنواب يرون رئيس وزرائهم ذيلا للولايات المتحدة، ووضع سمعة بريطانيا في الوحل، ويريد استغلال الحادث سياسيا، وإثبات أن داعش وراء تحطم الطائرة ليأخذ تفويضا بالتدخل في سوريا، فيبدو قويا أمام معارضيه وفي نفس الوقت يسدي خدمة لأوباما الذي يريد أن يرد الصفعة لروسيا العائدة بقوة على الساحة العالمية، ويفك الارتباط المصري الروسي قبل أن يرحل في خريف العام المقبل.

اتصل بوتين بكاميرون معربا عن دهشته من تصريحات الأخير وكأنه رئيس لجنة التحقيق طالبا ما لديه من معلومات بشأن القنبلة، لكن الرجل لم يتصرف وفق ما يمليه عليه القانون الدولي والأخلاق والأعراف الدبلوماسية من ضرورة التعاون مع جهات التحقيق بل تصرف ببرود الإنجليز وعمل ودن من طين وودن من عجين.

السؤال ما مصلحة لندن في هذا التصرف المشين والمهين؟ لماذا تتخفى إدارة أوباما وراء ستار الإعلام والمصادر المجهولة؟ هذا إن دل على شيء فيدل على مؤامرة مكتملة الإركان ضد مصر مثلما روج البلدان لأكاذيب إستخباراتيه أدت إلى احتلال العراق وتركه للفوضى. الهدف الأول من هذه الحملة المنسقة ضرب التقارب المصري الروسي ولو سلمنا جدلا بصحة فرضية العمل الإرهابي فالسؤال هو: لماذا لم يتقدم الغرب يمعلومات تمنع وقوع الكارثة؟. أم أنه عرف و(طنش) ولم يحذر لأنها فرصة يمكن استثمارها سياسيا.

اجواء الحرب الباردة الآن تؤكد استغلال الحادث سياسيا أستثمرت واشنطن حوادث كثيرة من قبل في أزمنة بعيدة وقريبة، قرانا عن حادث البارجة ماين 1898 م، كان هناك صراع بين أميركا وإسبانبا في الأميركتين كانت البارجة متوجهة إلى كوبا وحدث بها انفجار أودي بحياة 260 شخصا، وجه الأميركان التهمة للأسبان وأعلنوا الحرب، بعدها كشفت لجنة التحقق أن انفجار البارجة نجم عن عطل ميكانيكي في غرفة المحركات، كذلك هناك ما يعرف بخطط (نورث وودز) عام 1962 لارتكاب أعمال ارهابية والقاء اللوم على كوبا لاسقاط فيدل كاسترو، وباءت جميعها بالفشل، كذلك سقوط طائرة البان أميركان فوق لوكربي باسكتلندا عام 1988 والذي أودي بحياة 259 شخصا وبعد سنوات من التحقيق توزعت الاتهامات شرقا وغربا حسب المصالح الاميركية الى أن استقرت في ليبيا لابتزازها وفرض عقوبات عليها ثم التوصل لتسوية دقعت ليبيا بموجبها الملايين لأسر الضحايا، نحن إذن بصدد بان أميركان جديد، ويجب أن تضع القاهرة وموسكو هذا المخطط نصب أعينهما في التحقيقات وفهم استراتيجة الغرب من هذا المخطط فالقضية تهم مصر وروسيا لا أحدا آخر.