&
تعد شخصية الانسان من المواضيع الحيوية والحقول الدراسية الاساسية التي منحها الباحثون في الدراسات الانسانية عموما والنفسية خصوصا قدرا كبيرا من الاهمية لما لهذا الجزء المهم من كيان الانسان من تأثير على مجمل السلوك الانساني في سياق حياته اليومية، وما يمكن ان يتأتى منها وينتج عنها من آثار ونتائح تحدد مستقبل الانسان.&
وقد سلط الباحثون الضوء بكثافة على الشخصية، كمفهوم ودلالة ومجال بحث، فخاضوا في لجج مضمونها، وسرحوا في الابعاد التي تتخذها، ووقفوا عند المساحات التي تتحرك فيها، واستعرضوا المديات المرتبطة بها سلبا وايجابا، ومدى تأثيرها على تحقيق ذات الانسان واطلاق امكانياته من اجل تحقيق اهدافه.
يؤكد استاذ علم النفس الانكليزي جون ماير على انه قبل عام 1995 كان حقل الشخصية في علم النفس غير منظم والمعلومات التي يتضمنها غير مؤكدة، ولم يكن للشخصية، من وجهة نظر العلماء، تأثير كبير على حياة الانسان الا بعد عام 1995 حيث أصبح الرأي الشائع لدى جمهور الباحثين هو ان شخصية الانسان تؤثر تأثيرا كبيرا لايستهان به على حياته وعلى تحديد مساراته.
ولأن شخصية الانسان هي " مجموع مايصدر من الانسان من سلوكيات وتصرفات وافعال مختلفة في مواقف وسياقات متنوعة" بحسب التفسير المبسط لتعريف الشخصية الذي بلغ اكثر من 50 تعريف لدى العلماء، فان انغماس الانسان المعاصر في العالم الرقمي عموما وموقع الفيسبوك خصوصا سوف يؤدي الى منح هذا الانسان" العصري" سمات معينة وذات او " نفس رقمية " مختلفة، كما جاء في تحليل وتشخيص الدكتورة تمارا هيك لهذا المفهوم.
تشير استاذة علم النفس في جامعة برونيل في لندن الدكتورة تارا مارشال الى ان هنالك أمرا قد يبدو مفاجئا يتعلق بما يكتبه الانسان على صفحته الشخصية في الفيسبوك، وهو ان هذه الكتابة تعكس سمات شخصية الانسان، ومع هذا، فمن المهم جدا ان نفهم لماذا الناس تكتب عن اشياء معينة دون غيرها في صفحاتها على الفيسبوك، وبعبارة اخرى...ان الكلمات البسيطة التي يكتبها الانسان في صفحته تكشف لنا عن الكثير من المزايا والخصائص غير المرئية في شخصية الانسان .
المحرر التقني في التيلغراف جيمس تيتكومب يشير الى امتلاك الفيسبوك معلومات هائلة عن مستخدميه، وعن الوقت الذي يقضيه كل منهم في التصفح، وعن جميع المحادثات التي ترد في رسائلهم، ولذا من الممكن ان يستخدم الفيسبوك هذه المعلومات من اجل بناء صورة متكاملة عن اي مستخدم، والتي يستطيع بعدها من توجيه اعلانات معينة لهذا المستخدم بحسب ميوله، لكن مجموع بيانات البوستات والمواضيع التي سجل الشخص اعجابه بها فقط هو الذي يمكن ان يكشف الكثير عن شخصية الانسان.&
وقد قام مركز كامبيردج النفسي بتطوير اداة تستعمل موضوعات اعجاب مستخدم الفيسبوك من اجل بناء صورة معينة عن الشخصية، حيث تقوم هذه الاداة التي تسمى (Apply Magic Sauce ) بمعرفة وتقدير جنس المستخدم وذكائه ودرجة رضاه وميوله الجنسية والسياسية والدينية، بالاضافة الى انها قد تعرف مستواه التعليمي ووضعية علاقاته.&
وبالنسبة للباحث بيرناردو تيرادو فان الامر مختلف،اذ يقوم بتصنيف شخصيات الانسان اعتمادا على سلوكهم في الفضاء الرقمي، ويؤكد الباحث في دراساته على أن لكل انسان يستخدم الفيسبوك شخصية معينة لايمكن ان تخرج من النماذج الاربع التالية & & & & & & & & & & & & & & & & & & & (Four Facebook Personalities Types ) &
الاولى: شخصية الــ(Voyeur ) المتلصص:
هو شخص يعرف كل مايتم نشره في الفيسبوك في صفحات زملائه لكنه نادرا ماينشر اي منشور "بوست"، فهو ينظر ويراقب ويتابع ماينشره الاخرون من أصدقائه على صفحات الفيسبوك من غير ان يقوم باي نشاط على صفحته ولا حتى يقوم بالاعجاب او التعليق لما ينشره الاصدقاء.
الثانية: شخصية الــ (Informer) الناشر :&
وهو الشخص الذي ينشر حوالي 3 بوستات في اليوم، وهو يستعمل الفيسبوك من اجل التواصل مع الاخرين بعد عودته من عمله او اثناء عمله، اذ يقوم بوضع منشورات ونشر صور مختلفة كما يعلّق على منشورات اصدقائه، بالاضافة الى استعمال " شات" الفيسبوك والالعاب مع الاخرين.
الثالثة: شخصية الــ (Me Mees)وهي مشتقة بحسب الباحث من (It’s ALL About Me) أي النرجسي:
وهو الشخص الذي يتميز بسمة نرجسية واضحة في تعامله مع الفيسبوك تجعل كل ماينشره في الصفحة متعلق به ويدور حول ذاته من صور او عبارات او تعليقات، ونادرا مايعلّق او يقوم بكتابة تعليقا على منشورات الاخرين الا اذا كان فيها، على نحو واضح او خفي، اشارات لتعزيز واثراء نفسه والاعلاء من شأن شخصيته.
الرابعة: شخصية الــ (Evangelist) الواعظ .
وهو من ينشر اكثر من اربع منشورات يوميا، وتجد لديه الكثير من الوقت الذي يمكن ان يقضيه على الفيسبوك يمارس فيه عمله " الرقمي" من خلال نشر امثال ومقولات وصورا وعبارات "وعظية" ، كما انه يضع تعليقات متنوعة على منشورات الاخرين، من اجل ان يخفي، في راي تيرادو، مايدور في حياته الواقعية.
شخصيا اتفق مع تيرادو في انه هنالك شخصيات مختلفة لمن يستعمل الفيسبوك او للسلوكيات التي تصدر من قبل مستخدم الفيسبوك فيما يتعلق بالتعامل مع الاخير، اما ان تُحدد برقم محدد هو الاربعة دون غيره فهذا ما نتحفظ عليه ولانوافق على تحليل تيرادو في هذا الجانب، فضلا عن النتيجة التي وصل اليها، فربما ينشر هذا الشخص اكثر من اربع منشورات وبعضها فيها وعظ واخرى تخلو من ذلك وليس بالضرورة ان يقتصر فلان على سلوك واحد محدد، كما ان هنالك شخصيات تستخدم الفيسبوك لاغراض تجارية هدفها الربح اولا واخيرا خصوصا مع ادراك الشركات التجارية اهمية وسائل التواصل في ايصال معلومات عن السلعة والتسويق لها من خلال هذا العالم الافتراضي.
ويمكن ان تضيف الى ذلك كله وجود بعض الافراد ممن يديرون صفحات لها الاف المتابعين في الفيسبوك مثل صفحات السياسيين والفنانيين والاحزاب والحركات السياسية والمنظمات وكثير من الشخصيات العامة ، ويقوم من يدير هذه الصفحات بعمل معين لايندرج ضمن السمات التي حددها الباحث تيرادو.
ولا يقتصر الامر على هذا النحو بل هنالك شخصيات دينية تجعل الهدف من الصفحة " تبشيري اخلاقي بحت" من اجل نشر رسالة معينة يؤمن بها صاحب المنشور، وليس بالضرورة ان يكون لهؤلاء شخصية ثانية في الحياة مثلما رأى ذلك تيرادو في الصنف الاخير.
كما ان هنالك نوع من الشخصية " الفيسبوكية" ممن لم يتعرض لها الباحث وهي موجودة على نحو واضح وجلي . وهي الصفحات المُقنعة التي يمارس فيها اصحابها " من كل الجنسين" مايعجز او يخجل عنه في الحياة الواقعية ! ولذا تجدها صفحات مموهة باسماء مستعارة &لاتكشف عن الهوية الحقيقية لصاحبها.
&
&
مهند حبيب السماوي / باحث في مجال مواقع التواصل الاجتماعي &
&