المسألة ليست بعيدةً عن الترجمات المتباعدة الجذور لكلمات لاتينية ثلاث مشتقة من جذر واحد:&

Nation - nasionalite -nationalisme التي عًرّبت على التوالي بكلمات من جذور متباعدة: أمة – جنسية - قومية.&

فكلمة nation تعني عند أهلها الجماعات التي تعيش في حيز جغرافي محدد، واندمجت مدنياً في اقتصاد (أو إن شئت طرائق عيش) تحكمه سلطة واحدة وقانون واحد، يُرمَز إلى كل ذلك بالعَلم. على هذا فالفرد ينتمي إلى الأرض وناسها جميعاً، ويشعر بارتباط مصيره بكليهما.

أما مفردة الأمة بالعربية فتعني الجماعة المتميزة بسمة أو سمات، يجمع بين أفرادها الانتماء إلى (الجد المشترك لـ) الجماعة وليس الأرض والناس. وسأعرض مثالين بقصد التوضيح الميداني: عند المسلمين هناك دار الإسلام ودار الحرب. فيما مضى كانت الأندلس دار إسلام، ومنذ حوالي خمسة قرون لم تعد كذلك، ونحن نذكرها، بل نتذكرها، بأسلوبنا الشعري - التاريخي: البكاء على الأطلال، مع إضافة معاصرة تتبدى في المن على الآخرين بما يٌفترض أننا اقتبسناه، ممن سبقنا، وقدمناه، من محاسن الفِكَر والعلوم!

عند المنادين بالقومية العربية، تمتد الأرض العربية إلى حيث توجد بلاد يتكلم معظم أهلها بالعربية، لذلك تأرجحت الخارطة بين تمدد وانكماش، شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً، خلال حوالي نصف قرن. (للاطلاع: "جغرافية الوطن العربي" تأليف الدكتور محمد الزعبي. كرّاس من منشورات القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. كان يُدرّس في مدارس ومعاهد الإعداد الحزبي). ولو جرى تذكر كيف انضمت بعض الدول إلى جامعة الدول العربية، وما جرى فيما بعد، لأمكن فهم مؤدى الحيز الجغرافي المشار إليه.&

استناداً إلى ما سبق نستطيع الزعم أنه بإمكاننا تخمين لماذا يقع مفهوم الوطنية في موقع ملتبس الولاء بين الوطن الصغير/ القطر/ الإقليم/ الذي له دستور وعَلَم ورئيس ومجلس تشريعي وحكومة وجيش، وبين الوطن الكبير الموجود في عالم الغيب، الذي لا يَبِين من علاماته سوى الكتابة بالعربية الفصحى، أو الإيمان مع تعدد توحيده، أو وجود نقابات عمالية من عدمه، وجيشان العواطف بين الفينة والفينة، مع هبوط مخجل في العلاقات الاقتصادية التبادلية، يزيد أو يقل حسب الواقع الجغرافي وأشياء أخرى، في حين ما تنفكّ الوطنية تعاني من تقلبات الأمزجة العامة والرسمية حسب الحال القائم.&

عموماً فالأحزاب الأربعة الرئيسية، (القومية الاجتماعية، والقومية العربية، والأممية، والإسلامية العالمية) التي تسود إيديولوجيتها عند جوانب من النُخب العربية المثقفة وليس شعبياً - ودعك من أفراد معدودين -، غارقة حتى الصميم في تنازع ولاء أعضائها ومؤيديها بين تيارات معتقداتها، وليته كان خلافاً على البرامج كما حال الأحزاب المسماة تقليدية، فكأن المطربة نجاة الصغيرة عندما تشدو: [القريب منك بعيد والبعيد عنك قريب حتى...] تعبر تماماً عن واقع حال أحزابنا المسماة "تاريخية” في إزاء الوطن والوطنية.