&&حيث تبلغ عيدان القصب ذروة أطوالها فى (كيهك) ويبدأ موسم الكسر (الحصاد) ،يكون موسم الثأر قد بلغ ذروته أيضا ليس فى نجع حمادى فقط بل فى كل النجوع المحيطة ،حيث يسهل ترصد الضحية واصطيادها ثم التوغل داخل حقول القصب المترامية الاطراف للاختباء الى ان يتوقف البحث الروتينى، ثم يعود كل شيئ كما كان الى ان يحل موسم القصب التالى وتبدأ دورة جديدة من الترصد والقنص والاختفاء.كل ذلك يحدث بين قبائل هم فى الاصل ابناء عمومة واحيانا بين بيوتات فى القبيلة الواحدة ،ولقد ظل الاقباط على الحياد دائما بين هذة القبائل المتنازعة وكونوا علاقات مشاركة فى تجارة وزراعة مع جميع الاطراف على السواء ،ولثقة الجميع فيهم ازدهرت تجارتهم بل وكانت مهن بعينها قاصرة عليهم كالطب والصيدلة وصياغة الذهب وغيرها ،وكانت السيطرة محكمة من كبار هذه القبائل وشيوخها على سلوك كل منتسب لهذه القبيلة أو تلك ،وكانت تسود تلك الايام أخلاق الفروسية الأصيلة حيث لاخيانة ولا قهر ولا استئساد على ضعيف ولم يجد التوتر سبيلا الى هذه المناطق إلا فى أواخر السبعينات حيث جرى ما جرى فى أم الدنيا كلها وليس فى الصعيد فقط. لذا جاءت هذه الجريمة الخسيسةصادمة ومخالفة لكل الاعراف السائدة فى هذه المنطقة ، ومن الظلم تحميل هؤلاء الشبان الثلاثة وحدهم جريمة ارتكبتها أمة بأكملها وعلى رأسها دستورها ونظامها الحاكم ومؤسساتها القانونية والتنفيذية والتشريعية ،الجميع أياديهم ملطخة بالدماء أما هؤلاء الشبان الثلاثة فهم المرحلة الاخيرة، القتلة المأجورين ،لذا علينا أن نتسائل بصوت عال من قتلنا؟من قتلنا فى نجع حمادى ومن قتلنا فى كل نجوع مصر نجع الكشح ونجع أبو قرقاص ونجع ديروط ونجع المنيا و..و.. هل قتلتنا السذاجة السياسية تلك التى عشناها لعقود طويلة ولم ننتبه الى مايحيط بنا من موجات الكراهية العاتية التى بثتها كيانات تحتية ممولة تمويلا مشبوها بغرض تأليب مكونات المجتمع وتحريض بعضها على بعض لإفشال مشروع الدولة المدنية وحرث الارض لإقامة مايسمى بالدولة الدينية التى يعتبرون أن مجرد وجود الاقباط بعقيدتهم المغايرة معوق رئيسى لمشروعهم العنصرى؟ هل قتلنا شخوص من صلب العرق فضلوا التحالف مع النظام وتملقه حتى لايغضب منهم ويحرمهم مما أعطاهم، شخوص لم نسمع منهم كلمة تذمر واحدة تدين الجرائم اليومية التى يتعرض لها شعب بأسرة وعدا (أنثى) واحدة (وتم تحجيمها) التزم الجميع ببنود الصفقة المشينة؟. هل قتلنا قضاء مشقوق كان ملاذنا الآمن يوما ما عندما كانت منصاته تتلألأ بشيوخ أجلاء مبجلين ومهابين من الجميع ضمائرهم حية لا تعرف التمييز، شيوخ حافظوا على بنود معاهدات موقعة بين أعراق هذه الارض صاغها ونفذها صحابة وتابعين منذ ألف عام ، أما منصات اليوم التى يعتليها سقط القبائل الذين احترفوا الميديا والحروف الحمراء على الصفحات الصفراء والوقوف على السلالم بزى القضاء للاحتجاج ، وتركوا تراث محمد عبده والطهطاوى والسنهورى وعبد الرازق وحكموا بتأويلات إبن تيمية والمودودى ، قضاه لم يستطيعوا كشف عنوان الحقيقة فى مقتل مائة شخص وحكموا بشيوع دماء الابرياء وأصلّوا للفوضى وشجعوا الغوغاء على نقض عهود موثقة ومقدسة ،وحضوا على التعدى على الاعراض والحرمات ،وعاد مجتمع كان ينبض بإرهاصات دولة مدنية حديثة، عاد الى دهاليز الكهوف المظلمة؟ هل قتلنا قضاء إخترقته تيارات ظلامية أشاعت الفرز والتمييز بين مكونان المجتمع على اساس الدين والجنس ،ولا غرو أن تعلن أعلى وأعرق هيئة فيه عن رفض تعيين المرأه قاضية (فى القرن الواحد والعشرين) ،قاضية (لتحكم فى منازعات إدارية) وفى العام الماضى وعندما حل الدور على قبطى ليتولى رئاسة المجلس (مجلس الدولة ) ساقوا من الاسباب الكاذبة والساذجة لتعطيل تعيينه ما لا يصدقه طفل رضيع ،وكلها اسباب تفوح منها رائحة جيفة العنصرية البغيضة ، وعندما ضغط عليهم النظام عينوه وعينوا عليه وصى( فى سابقة لم نر لها مثيلا فى التاريخ) حتى يكمل الشهور الباقية له على السن القانونى ثم قذفوا به خارجا غير مأسوف عليه وهو استاذهم جميعا. وبنظرة على كم اللافتات المعلقة فى الشوارع وعلى المبانى والاسوار والمنشآت للتحذير من البيع أو الشراء أوالتوكيلات المزورة مع النصابين والمحتالين نعرف حال القضاء فى المحروسة، ناهيك عن جرائم بشعة غريبة على المجتمع المصرى استشرت كلها فى ظل غياب عدالة انشغل أهلوها بصراعات مع النظام المرتعش ولى ذراعة وتهديده بالتحالف مع أعدائة. القضاء الذى أنصف يوما طه حسين وعلى عبد الرازق ضد طيور الظلام فى عصور النور واليوم فى عصور الظلام يفرق بين رجل وزوجته بعد أن حكم عليه بالارتداد وثبتت عليه تهمة إعمال العقل ،حكموا عليه خضوعا لتيارات سلفية أشاعت السواد والفوضى فى كل إتجاه. ذلك هو القضاء فى مصر وهو ما نبكى عليه لأنه ضاع وهو يستحق بدل الدموع دماء لأن بدونه لاأمل ولا وطن.

هل قتلنا تعليم مهترئ ذرع العنصرية والارهاب فى عقول غضة وعندما شبت هذه العقول لم تجد فى خلفيتها إلا العنف والقتل تواجه به عالم بدا وكأنها فوحئت به أيما مفاجأة.تعليم جعل من ترتيب هذه الامة العريقة فى قوائم العلم والبحوث والابتكار شيئ يدعو للأسى والاسف،تعليم إختطفوا فيه أبرياء وعلموهم أصول لى الأعناق إلى الخلف وفسروا نصوص وأولوها لتخدم أهدافهم الخبيثة والدولة آخر من يعلم وحتى لو علمت فهى عاجزة عن الفعل لان كوادرها إما متواطئة أو جاهلة لا تدرك أن المنتج النهائى لهذه العملية هو مسمار فى نعشها. تعليم أصبحت المدارس مفرخات خصبة لمدمنين ومتطرفين وبلطجية ومدرسين جهلة وطلبة أميين.هل قتلنا وضع ثقافى واقتصادى واجتماعى وإعلامى وحتى الرياضى أوضاع مزرية صبغوها بالدين وأهاجوا علينا كل القوى فى كل الدنيا وجيشوها ضدنا وخسرنا فى كل المحافل وتسببوا فى تشويه وجوهنا ولطخوها بوصمة العنف والارهاب وأصبحنا نقف فى طوابير منفصلة فى المطارات معزولين كمرضى الجذام فقط لأننا من سكان هذه البقعة التى كانت يوما أرض السلام هؤلاء الذين دينوا كل القضايا والنتيجة على الساحة معلنة للجميع نستجدى ربع ما كان معروضا علينا من فلسطين(وحتى الرقع التى منحونا إياها مؤقتا إنقسمت) وسوف يتشظى السودان شئنا أم أبينا والعراق مرشح بقوة للتفتت على الاقل لثلاث دويلات ناهيكم عن لبنان والصومال واليمن أما مصر فالجميع فى انتظار أن تسقط البقرة ،إن ما فعله هؤلاء بهذه المنطقة فاق كل ما فعله بها كل من استعمروها على مر العصور.

كل هؤلاء قتلونا قتلنا القضاء ،قتلنا التعليم ، قتلنا الاعلام ،قتلتنا الثقافة كل هؤلاء قتلونا بموجب صفقة المراجعات المشينة التى تمت بين تيارات العنف والنظام بحيث تتوقف فيها جماعات العنف عن قتل الاقباط والشرطة والسياح مؤقتا بينما تطلق الدولة أيديهم فى إرهاب الشارع ثقافيا واجتماعيا وضخ موجات من الكراهية ضد الأقباط عبر كل الميديا المتاحة بدءا من ميكروفونات الزوايا وحتى الفضائيات الممولة تمويلا سخيا من التنظيمات متعددة الجنسية بالاضافة للسماح بالتمدد الافقى فى الاطراف ،بواسطة ذراعان قويتان ممولتان من نفس المصادر هما انصار السنة والشرعية. كل هؤلاء قتلونا والواضح أن أطرافا من الصفقة يختبرون مدى التزام النظام بما سبق واتفق عليه وخصوصا مع اقتراب صفقات انتخاب وتوريث وتعاملات مشبوهة هنا وهناك، ليظل الاقباط مضطرين لاضيق الطرق ويتقلص مطلبهم من الحرية الى الحماية وتكريس انسحابهم من المجتمع واستمرار الاختباء فى الكنيسة. كل هؤلاء قتلونا وحتى عندما خرج الرئيس عن صمته بعد عشرين يوما وقال كلاما كبيرا، وتوقعنا أن تهب كل الميديا لتردد شعارا خطيرا أطلقه الرجل لاول مرة بهذا الوضوح(الدولة المدنية) لكن ساد نوع من التعتيم المريب ،وعلى غير العادة لم تعلق جريدة واحدة على مقولة الدولة المدنية. إن هذا الصمت أنشا تساؤلا كبيرا هل هذا الصمت برغبة الدولة أم فوجئت به؟. وبعيدا عن التعداد الذى يثير الحساسية فإن ملايين المصريين اعتصر قلوبهم الحزن ،الحزن على فلذات الاكباد والحزن على الوطن الذى ضاع ، لكن وقفة مع النفس باتت لامفر منها، الى اين نحن ذاهبون فإن لم نفق وننظر الى الخلف ونتعظ فان الاسوأ آت لامحالة. إن الحرية لم تأت أبدا منحا وتعطفات، لا من محتل ولا من حاكم ولا حتى من شريك وطن، ومع احترامى لكل الاراء المعلبة فى هذا السياق فإن دماءا أخرى يجب أن نبذلها فما دمنا نبذل دماءا ونحن لا نفعل فلماذا لانبذلها ونحن نفعل،نفعل ما فعلته كل الشعوب فى سبيل حريتها ومستقبلها لا لننقذ أولادنا وأحفادنا فقط بل لننقذ الوطن كله من فيضان نهر الفرز الهادر الذى يتوهم البعض انه سيتوقف عند الاقباط أوالنوبيين أو بدو سيناء أو غيرهم بل سيفيض بتصنيفات مبتكرة كل يوم، تصنيفات فرز ستطول كل من يتصور أنه خارج القائمة ، أما الارتكان على حلول الرهبان مع العربان فسوف يهبط بسقف التطلعات من الحرية الى مجرد إستجداء حق الحياة.

إن الذين يروجوا لمقولة النسيج الواحد وهذه التعبيرات الساذجة يجب أن يعوا أن الصراع بات صراعا عرقيا خالصا كرسته أنظمه ديكتاتورية فاسدة ألهت أمة عريقة عن مشاكلها الحقيقية وادخلتها فى سراديب مظلمة من الجهل والتخلف والعنصرية واشاعت روح الكراهية بين مكونات المجتمع وهاهى النتيجة المفزعة المصريين اللذين كانوا مضرب الامثال فى التعايش أصبحوا مرشحين بقوة لاحتلال مركز متقدم بين دول الابادة الجماعية والعزل العنصرى بفضل نظام مرتعش ومتردد سيكون أول من يدفع الثمن.

ملحوظة: هذا ماكتبناه فى مثل هذا اليوم من ست سنوات

ملحوظة أخرى: وقد دفع النظام الثمن مضعفا ودفعه أيضا النظام الذى تلاه لأنهم كانوا وجهين لعملة واحدة.&&