المشهد الذي حُفر في ذاكرة سكان مدينة كولونيا الألمانية ليلة بداية العام الميلادي الجديد بسبب الممارسات الخاطئة وغير الأخلاقية التى أقدم عليها بعض المهاجرين العرب ، والتي وصفها البعض بأنها همجية وبربرية وطالب آخرون بأن تتحول نتائج التحقيقات التى ستنجم عنها معياراً لمدي إستعداد دول الإتحاد الأوربي لقبول مزيد من المهاجرين قبل أن يستفحل خطرهم علي مجتمعاتها .. هذا المشهد ، يجب أن ننظر إليه من أكثر من زاوية حتى لا يترسخ رأي واحد من بين هذه الآراء ويفرض نفسه بقوة علي الساحة ويتحول الموقف كله إلي صراع بين ثقافتين داخل حوائط المجتمعات الأوربية ..&
نقول بهذا المنطق ، للأسباب التالية ..&
1 – تجدد أصوات اليمين الأوربي المنادية بوقف هجرة الإعداد الجديدة القادمة عبر المتوسط ، وإرتفاع نبرته المحذرة من كارثية فتح أبواب اللجوء دون مراعاة للإختلاف العميق بين الثقافات والقناعات الأيديولوجية ..&
2 – ان تكرار مشهد التحرش بالنساء علي مستوي أكثر من مدينة أوربية في سويسرا وفنلندا وسع من دائرة المنادين بضرورة تصنيف المهاجرين وفق معايير أخلاقية !! قبل قبول طلباتهم للجوء ..&
3 – إعلان دول أوربية عدة أنها في طريقها لتقنين تواجد المهاجرين فوق أراضيها بما يسمح لها بقبول البعض ورفض البعض الآخر ، بعد أن قبلت مرغمة خطط الإتحاد لإستقبالهم وإتاحة الفرصة لهم للعيش الكريم ..&
4 – تصاعد صيحات التحذير المجتمعية من جانب بعض المنظمات المدنية بين مؤيد لتشديد إجراءات القبول إلي أقصي درجة ، و المطالبة بترحيلهم جميعاً في أقرب فرصة ممكنة ..&
5 – تخطي أسباب التخوف من المهاجرين الجدد لأسباب أمنية بحته إلي مجالات الإختلاف الثقافي البَين والتصادم الحضاري العميق ..&
هذه الأسباب وغيرها فتحت الباب علي مصراعية لتفعيل اكثر من سيناريو التعامل مع مشاهد التحرش غير الأخلاقية المدانة والمجرمة .. إما زيادة مؤشرات رفض القادمين الجدد من جانب السكان الأصليين !! أو وضع سياسات شفافة تؤدي في نهاية المطاف إلي دمجهم علي مستوي المجتمعات التى قبلتهم بين أبنائها ..&
السيناريو الأول من شأنه أن يزيد النار إشتعالاً بين جنبات بعض المجتمعات الأوربية لأنه يساعد علي تزكية عوامل الكراهية من كل القادمين الجدد وليس تجاه القلة التى تُعد بالعشرات والتى أقدمت علي ممارسات ليلة رأس السنة الجديدة المدانة إنسانياً علي كافة المستويات ..&
ومن المؤكد أن هذه النيران ستدفع البعض إلي إعادة تفسير كتب التراث الإسلامي بما ليس فيها وإلي تحميل آيات القرأن الكريم بكل ما في قلبه من حقد وبغضاء ، مما سيؤدي إلي تناحر وتصادم شعبي من المؤكد أن بعض العواصم الإسلامية ستُجر إليه ..&
التحذيرات العاقلة من مثل هذه السلوكيات ستتحول بمرور الأيام إلي رعب يمشي علي قدمين من شأنه ان يحيل حياة الناس العاديين إلي جحيم متواصل يبعث علي القلق والخوف من جانب كل رجل أسمر يمر بجانب إمرأة بيضاء او يقف ورائها في طابور ان يصعد خلفها إلي وسيلة من وسائل النقل العامة ..&
وليس مستبعد أن يتحول قرار منع بلدية مدينة بورنهايم الألمانية الرجال من المهاجرين من دخول حمامات سباحتها " حتى يفهموا ان تحرشهم بالنساء غير مقبول ، ويتعلموا السلوكيات المتحضرة " إلي نموذج يحتذي من جانب غيرها من البلديات ومن ثم تنتشر قرارات التمييز العنصري بأعنف مما كانت عليه في جنوب افريقيا منذ اكثر من ثلاثين عام .. &
كما من شأنه أن يوسع سياسات العزل والإقصاء التى جاء ذكرها علي السنة بعض السياسيين خاصة في ألمانيا عندما قالوا " إذا كان من الضروري أن نُبقي علي الألآف من المهاجرين ، فعلينا أن نبعدهم عن المدن الكبري بأن نفرض عليهم الاقامة في أماكن محددة لهم سلفاً " ..&
وربما تمتد هذه السياسات إلي المهاجرين القدامي ، إذا ما تصاعدت حدة السياسات العنصرية لأي سبب من الأسباب ثقافية أو مجتمعية أو أمنية ..&
وإذا كنا نؤكد بشدة من ناحية أن التحرش بالنساء ورفض ثقافات المجتمعات الأوربية وبعض أنماط سلوكيات أبنائها التى تربوا عليها ، لا يجب أن يدخل ضمن مفردات الحياة اليومية للمهاجرين العرب الجدد ، فأننا نؤكد من ناحية أخري أن تواجدهم داخل هذه المحتمعات الآن في داخلها لا بد ان يحاط من جانب الحكومات التى وافقت علي منحهم حق اللجوء إلي اراضيها بكل ما يحتاج إليه من توجيه ورعاية وفق برامج ونشاطات التثقيف التى تفتح الباب لمزيد من المعرفة والتعلم ..&
لذلك نؤيد السيناريو الثاني الذي يدعو إلي الإسراع بتنفيذ سياسات الدمج والتعريف بالآخر والتقريب بين الثقافات ، لأنه ..&
- سيخفف إلي إلي حد كبير من محاولات الترويج لكراهية الإسلام والمسلمين ..&
- يضع حد لشائعات اليمين الأوربي التى تؤكد أن القادمين الجدد رافضون من البداية لقبول ثقافة المجتمعات الأوربية ، ويحاولون فرض ثقافتهم أينما حلوا ..&
- يوقف أوجه التعارض بين مطالب الحفاظ علي أمن وأمان الدول الاوربية وإستقرار مجتمعاتها ، وبين مطالب الاستعانة بهم وفق الإحتياجات الفعلية لهذه المجتمعات ..&
- يقضي عملياً علي فكرة تكوين " مناطق عازلة / جيتو " لإقامة هؤلاء المهاجرين ..&
- يبعد عن أوربا مبررات العنصرية التى بدأت ظواهرها تتنامي ضمن كلمات بعض السياسيين من ذوي القناعات اليمينة المتطرفة وكثير من الكارهين للإسلام كدين سماوي ..&
لسنا ضد ..&
أن تعمل دول الإتحاد الأوبي علي تقنين أوضاع اللاجئين إليها ، علي أن ينطبق ذلك علي كافة القادمين من كل مكان وليس من الشرق الأوسط فقط ..&
وأن تعمل علي دمجهم تدريجياً في مجتمعاتها ، شريطة أن لا يتحقق ذلك من خلال نظرة علوية تعاملهم بعنصرية ينجم عنها ردود فعل عكسية غير مرضية ..&
وأن تتضمن برامج تأهيلهم نشاطات ثقافية تساعد عن التعريف بالمجتمعات الجديدة وسلوكيات افرادها وقناع’ أبنائها بميراثهم الحضاري ..&
وفي نفس الوقت نقف بشدة ضد ..&
سياسات تسكينهم في أماكن إيواء معزولة حتي يبرهنوا عملياً علي مدي إستحقاقهم للعيش بلا قيود أو رقابة بالمدن الأوربية الكبري والصغري علي حد سواء ..&
وسياسات صبهم في قوالب مُحددة سلفاً لضمان تطعيمهم ضد فيروسات التحرش والعدوانية و وضعهم تحت الإختبار للتأكد من حسن تصرفهم وإنسانية سلوكياتهم ..&
وفرض غرامات مالية لتأديبهم إذا ما لجأوا إلي أي فعل من شأنه أن يعكر صفو الإستقرار والأمن في الجتمعات التى يعيشون فيها ..&
و أن تُبدي المستشارة الألمانية ندمها بعد حادث التحرش إياه " لأنها لم تستمع " لتحذيرات ونصائح من وصفتهم بعقلاء المجتمع االألماني ، خاصة بعد ان فسر البعض منهم إقبال الأسر الالمانية علي شراء الاسلحة في الأيام الأخيرة بانه " رد فعل للحاجة للدفاع عن النفس " ..&
و أن تنتهز الدول التى لها حدود مع ألمانيا ، مثل المجر ، الفرصة لكي توسع من مساحة الأسوار التى تبنيها لمنع قدوم مزيد من الهاجرين او عودة من عبر منهم في طريقه مرة من حيث أتي ، لأنها أفعال تندرج تحت مسمي اللا إنسانية ..&
هذه المخاوف وغيرها تجعلنا نحذر بشدة من أن تصميم بعض الدول الأوربية علي تفضيل سياسات العزل والإقصاء ضد اللآجئين إليها بينما في مقدروها تبني برامج التأهيل التثقيف والإعداد المجتمعي ، سيجعل المتضررين من هذه السياسات هدفا لخلايا تنظيم داعش !! ..&
وتجلعنا نثمن بشكل مباشر تخصيص حكومة ديفيد كاميرون صندوقاً بمبلغ 20 مليون جنيه إسترليني لتغطية نفقات مساعدة النساء المسلمات علي التعرف علي ثقافة المجتمع البريطاني وتعلم اللغة الإنجليزية بهدف " مكافحة تطرف الأفكار المتشددة والجنوح لكراهية الآخر " لأن عدم إندماج بعض المجتمعات المحلية المسلمة في المجتمع البريطاني بالصورة الكافية ، في رأيه " ساعد علي تنامي التطرف وفتح الباب لممارسات مرعبة وغير سوية أثرت سلباً علي أمن واستقرار المجتمع البريطاني بصفة عامة " ..&
وتجعلنا أيضا نطالب دول الأتحاد الأوربي الأخري أن تستوعب بشكل عملي سلبيات تهميشها لليد العاملة التى إستقدمتها بعد انتهاء ويلات الحرب العالمية الثانية لسنوات طوال ، وما جنته من مكاسب مجتمعية هائلة بعد ان نفذت سياسات الدمج المتدرج لهم ولمن قدم إليها مهاجراً علي إمتداد سبعينات وثمانينات القرن الماضي ..&
لن نمل من تكرار أن .. التأهيل ثقافياً ومجتمعياً وإجادة لغة المجتمعات الجديدة وإكتساب المهارات ، هي ركائز الأمن والإستقرار في المانيا وفي غيرها علي مستوي العالم كله ..&
&