حين يطرق سمعنا العديد من المفردات والمصطلحات من الماضي البعيد منذ أيام نشأتنا وترعرعنا، مروراً بأيام مرحلة شبابنا، ونحن نتجاوز العقد الخامس والسادس والسابع من عمرنا، تستهوينا ذكراها ـ سلباً وإيجاباً ـ بمدى وعينا لها في الفترة الشبابية. ومن تلك المفردات المفردة البلاغية " البلاغة " المشتقة من الفعل " بَلـُغَ " كمصدرٍ له، لتعود بنا الذاكرة القهقري أي إلى الماضي البعيد من أيام مقاعد الدراسة للمراحل الدراسية النهائية. وفي ذات الحين لنتذكر تلك الفروع المستقاة منها والمعروفة بعلم البديع والبيان والمعاني مولدة مصطلحات الجناس والطباق والسجع والتورية والتشبيه والإستعارة والإسناد والخيال والعاطفة لتؤطر الفصيح من الكلام المؤثر بألفاظ نطق اللسان في الخطابة والمحادثة، والتدوين المحفوف بإسلوب متناسق جذاب يستلب قلوب القراء، كتلك اللوحة الفنية التي تدع الناظر المُتأمل لدقائق محتوياتها بإمعان تام من خلال شدة تزاحم وتلاحم تزاوج الألوان، وتناسق الرموز التعبيرية المُبتغى منها.&
ولكي لا نسترسل فيما ذهب اليه القدامى من أئمة اللغة العربية من أمثال الجرجاني والقزويني والسكاكي وغيرهم، ومن المحدثين في عصر النهضة القومية من أمثال أحمد الزيات وأحمد الهاشمي والدكتور البكري وصلاح الدين موسى وغيرهم ممن عالجوا مفاهيم مصطلح البلاغة إلى جانب الغربيين من أمثال فكتور هيجو والفنسيين ديمارسيه وفونتاني وغيرهم من أدباء الغرب القدامى، وبالتالي من المحدثين الذين اعتمدوا في منهجيتهم العلوم اللسانية كوجه جديد لعلم البلاغة، حالهم حال الشعر التقليدي الكلاسيكي بطغيان الشعر المُستحدث عربياً على يد السياب والبياتي ونازك الملائكة ، ومن الغربيين ت. س. إليوت مُنَظر قصيدة "الأرض الخراب" وإديث سيتويل وكيتس وغيرهم الذين شيدوا ومدوا جسوراً بما لا يحصى من الشعراء المحدثين في العالم العربي والغربي.
إن أغراض الشعر والقصة في المجال الأدبي تنوعت وتفرعت بإستحداثات عديدة، حالها حال المفاهيم والمبادئ بمضامينها السياسية التي استمدت اصولها من اسس تكوين التعابير اللغوية بأساليب تدوينية مستحدثة بأطرٍ متنوعة تفرضها الصياغات الفكرية &وفق أساليب التعارض المبنية على اسس الديالكتيكية &التي فرضتها الظروف الإقتصادية والإجتماعية للنظريات السياسية من جراء انبثاق المدارس الأدبية في المحيط الأدبي والفني وتأثيرها على واقع الأدب السياسي، وعلى وجه الخصوص سياسة الأدب الروسي على يد ليو تولستوي ودوستوفسكي وتشيكوف وغيرهم من المحدثين من الإدباء الروائيين والشعراء الذين لا زلنا نقرأ تراجمهم في أمهات الصحف العربية والمواقع الألكترونية. وبما أن العصر الحالي هو عصر النهضة الفكرية الجديدة والوثبة الحضارية للتجديد الأدبي والفني والعلمي والسياسي &بغية التطوير والأرتقاء لأعلى سلم النجاح في كافة مجالات الحياة، تحدونا المفارقة بمقارنة عصور من سبقونا الذين انحصرت أفكارهم ونداءاتهم وتحدياتهم في محدودية نشرياتهم سراً داخل حدود تواجدهم ومحدودية انتقالها لدول الجوار وغيرها من الدول بشكل غير مباشر. ولكي نكون أكثر وضوحاً بأن سرية النشر والتحريض والتصدي المباشر انتفى مفعولها وغابت عنها جدران التصدي المباشر لقمعها، وليتسنى لكل فرد من حملة الأقلام والأفكار النيرة أن يستل سيفه ويشهره علناً بوجه من شاء حين لا يوائمه وذلك بإنتمائه كمواطن حر وتمتعه بالحرية المطلقة في أجواء ديمقراطية &" جمهورية ولايات المواقع الألكترونية والتواصل الإجتماعي المتحدة " الملتزمة بمنهجية ديمقراطية الرأي وحرية التعبير المباشر. لهذا نجد سياسة آداب مائدة الأكل والشرب والتعامل المباشر وغيرها من الصفات قد طغت عليها آداب سياسة السياسة وسياسة الدين بعكس ما هو مألوف، بدليل ما تقع عليه بصائرنا يومياً وفي كل لحظة من مقالات ومداخلات وتعقيبات لا حصر لها في كافة ممالك القنوات الإعلامية التي تتلاعب بالمفردات السياسية التي منها الأجندة الداخلية والخارجية لكل مملكة مستحوذٍ عليها من مُكَونٍ معين، لا يعير أية أهمية لمنطق ثقافة الإصلاح والتنوير، طالما لم تبدر المناشدة من ذات المكون، بالرغم من جدوى وصلاحية الفكر الإصلاحي والتنويري. وكأنما تلك القنوات تشكل سلطة مستقلة لذاتها من خلال رواد وإنتماءات كوادر تنظيماتها الحزبية مهما كان حجمها، &صغيراً أم كبيراً، لتفعل كل واحدة منها على مضض ٍ ضمني بفرض نزعة التعصب الطائفي والمذهبي والعقائدي المتزمت الذي يُنهك محور الضمير الجماعي لمكونات فسيفساء الشعب المنضوي تحت لواء المواطنة الموحدة وفق متطلبات الحقوق والواجبات المفروضة على كل مواطن، رغم السعي والمناداة ورغم تفاوت الإنتماء الديني، وبالرغم من أن أغلب دساتير البلدان العربية تقر بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. علماً بأن هناك ممن يدينون بديانات أخرى ولهم ذات صفات المواطنة إلى جانب الإنتماء القومي بدليل تعدد القوميات كما هو عليه في العديد من الدول ومنها سوريا والعراق متمثلة تلك الإنتماءات بالوجود القومي الآشوري والكردي والأرمني والإيزيدي والصابئي. وعلى ضوء هذه الإعتبارات نجد بلاد ما بين النهرين من خلال التشكيلة السلطوية المشتركة أي الشراكة متعارضة في سياستها المؤدية دوماً الى التناحر والمشاكسات المقصودة بإعتماد كل جهة بأفكار مذاهبها الدينية التي منبعها الدين الإسلامي. إذن ما الضير في أن يتم فصل التمذهب الديني المتمثل بالتحزب السياسي لكل مكون إن كان إسلامياً أو مسيحياً أو أي دين آخر، لكون مفهوم القومية بتدرجها الحسابي العددي لكل مجموعة عادة ما تتعارض ومفهوم حكومة السلطة التيوقراطية التي تستمد أفكارها من الإيمان بالحق الإلهي على أساس عنصري، ومنها أيضاً حالة بيع صكوك الغفران من قبل سلطة الكنيسة في أوربا للصفح عن خطايا الفرد، والتي عفا عليها الدهر بعد أن تم رفضها ونبذها على يد طبقة المثقفين وبدعم من المعوزين والفقراء بحيث حادت &أوربا عن ذلك منذ خمسة قرون، وإنعتق الشعب المسيحي من قيود السلطة الكنسية ، والعالم العربي لا زال يصارع نفسه دون أن يتخذ عبرة من أحداث التاريخ المأساوية التي أردته في مهاوي الإنعزال عن بعضه لا يحيد عن البغضاء والإقتتال والتحديات ليكون لعبة يلهو بها المحتلون من الدول الكبرى كالأب الأمريكي والأم الروسية وفراخهما من الدول الأوربية لتتخذ الصين واليابان كقوتين ذات كفاءة عالية دور الحذر منها ومنعزلة نوعاً ما عنها لتختبرا &مدى شرعية الأب والأم.&
ولطالما لا زلنا نتراوح في حلبة التحديات والإنقسامات الطائفية والمذهبية والقومية على مستوى بلاد النهرين عراق اليوم، ينبغينا المفهوم المتعارف عليه من منطلق العدالة الإجتماعية والمبادئ الأخلاقية أن نتشبع بها ليمكننا التسلح بإحترام الرأي والأخذ والعطاء لتجاوز أي نوع من الخلافات التي لا تدري نفعاً، إن كنا حقاً نؤمن بالعدل والمساواة اسس الإنسانية لضمان الفرص المتكافئة لأي من كان من المواطنين في البلد الواحد الموحد بإلغاء الفروق التسموية المستحدثة والتعنصر بملذات تبعية التسلسل الوراثي.لهذا يتوجب أن ندرك إن كانت مقومات القومية في الوطن الواحد هي التي تزرع أحقية التكوين القومي والأرض هي أم تلك المقومات حسبما يقال. فما بالك من أرض عراق اليوم؟! أليست هي مهد الحضارة الآشورية؟ إذن أين هي حقوق الآشوريين الذين ما فتأوا إمتداداً لتلك الحضارة العريقة بكافة تسمياتهم المذهبية؟ وإن كانت اللغة هي المقوم الأول للوجود القومي الشرعي، فأين كانت اللغة العربية قبل ذلك؟ وأين كانت اللغة الكردية التي يتمتع أبناؤها اليوم بربع مساحة الأرض الآشورية بدلالة المعالم الآثرية والمواقع الكنسية في شمال وجنوب العراق وتسميات القرى المستعربة والمستكردة وبالأحرى المغتصبة. أما إن تساءل القارئ ما علاقة العنوان بمحتوى المقالة، فليدرك من له سعة الوعي بأن بلاغة الخمسة آلاف من ألواح مكتبة آشور بانيبال هي أساس سياسة اليوم. وإن أول تشريع على وجه الآرض هو أساس النبع الثري لقوانين وتشريعات اليوم. وإن لم تصدق ذلك، فما عليك إلا أن تسعى جاهداً لقراءة كتب التاريخ التي هي أكبر شاهد على ذلك ومقارنتها بقوانين دول العالم التي تتنزه بها ولا تستنكف من الإعتراف بحقيقة وجودها ومما تعتمد عليه.
كاتب آشوري عراقي
&