حين يستقر بك المقام في محطة ما من بلدان العالم وأنت مزمع على الإستقرار بدافع الهجرة القسرية أو الطوعية، عادة ما تكون في حيرة من أمرك، تجرفك تيارات التخمين لأي منعطف تقتفي بغية الراحة النفسية والحياة الإعتيادية بحلوها ومرها. وبدون شك تحدوك الحيرة بملاقاة من هم على مقربة من أبناء جلدتك أو أن يكونوا من نسل ذات المواطنة الإقليمية التي أنت عليها. فإن كنت آشورياً تعمد لملاقاة من يتصف بصفات اثنيتك، وأحياناً لغة المواطنة الإقليمية الرسمية تكون الدافع لذلك مهما كانت المفارقات الأثنية تحيل التقارب من بعضكما من منطلق مقولة " كل غريب للغريب نسيب " وهذه حقيقة لا تنكر طالما " الحاجة أم الإختراع "، وفي علم كل إنسان واع بأن هكذا مقولات لم تصاغ هباءً ودون جدوى بفعل التجارب التي انبثقت منها وركزت مضامين مفهومها لتطبيقها عملياً.
وبما أن التجمع السكاني الإجتماعي تفرضه العادات والتقاليد الموروثة لمجموعة اثنية من الأفراد، كما تطبع الإنسان في عصوره الأولى، نجد اليوم بأن الطبقة الواعية والمثقفة تَقدم على جمع شمل من تعنيهم تلك الموروثات، سواء كانوا من أتباع قومية معينة أو تنظيمات حزبية أو اعتبارات انتماءات مذهبية من منطلق الإنقسامات الكنسية للمسيحيين، وللمسلمين أيضاً وفق تواجدهم المذهبي من خلال المساجد والجوامع والكنائس والمنتديات. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها بدليل التجمعات التي اعتدنا عليها في بلداننا الأصلية التي تم استنساخها ونقل واقعها ونشرها في بلدان الشتات بحكم التواصل الإجتماعي الذي تفرضه مستلزمات الغربة بشكل آخر ومستحدث لتزيد الطين بلة من حيث الإنقسامات والإضطرابات النفسية التي مبعثها الإلتزامات الخاصة والأزمات العائلية التي تنعكس على مواقف ذريتها بإنسجامها مع الواقع الإغترابي وفق النشأة الإجتماعية والتربوية واللغوية الحديثة التي تحتمها قوانين ودساتير البلد المضياف. لتعيش العائلة الواحدة حالة الإزدواجية المعقدة بعلة الذرية بعيدة عن الأعراف والتقاليد الموروثة لكبار العمر. ناهيك عن الحالات النادرة التي تشذ عن مسببات تلك السلبيات بحكم التعصب والتربية المُحكمة. وهنا لا نستثني أي مجموعة كانت من بلداننا الشرقية إن كانت دينية أو قومية بدليل السلبيات التي تتراءى لنا أمام أبصارنا ومن خلال السجلات الحكومية الموثقة والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمنشورة التي تشهد وتثبت ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أزمات حالة الطلاق والإفتراق لأسباب واهية، المعاشرة والزواج اللاشرعي من مجتمعات متفاوتة، إنعزالية السكن الإنفرادي وعواقبه، تجاوز حدود الإحترام والإلتزام، المشاحنات التي لا طائل فيها، وغيرها من الأمور التي تشحنها الملابسات الشخصية العدوانية وإختراق الأنظمة المرعية بسلوكيات وتصرفات لا يُسَوّغ فعلها لتوقع وتردي مرتكبيها تحت طائلة القانون والعقاب. لتنتشر تلك الظواهر بتبريرات تفتقر لجوهر الحقيقة، متخذة طابع الإنتشار بالتقليد الأعمى، وتناسي مقولة " يا غريب كن أديب " واستمرار التمادي في الغي والضلال الدائم بإستغلال مفردة "الحرية" المقدسة وليدة ديمقراطية الرأي المؤطرة بمفهوم العدالة والمساواة والأخلاق الإجتماعية مهما بلغت صفاتك الشخصية ومفهومك للحياة، وليأتي على بالك " إذا أنت أكرمت الكريم ملكته " ليكنّ لك أبلغ آيات الإحترام والتقدير بفضل رعايتك له بالحسن والعرفان الجميل.&
لذا يستوجب علينا أن لا نستصغر وجود مؤسساتنا التنظيمية من المنتديات الأدبية والجمعيات التثقيفية والنوادي الإجتماعية كونها سفارات وقنصليات نستقي منها ما يُعلي من شأننا، بتجاذبنا أحاديث الملاطفة باللغة الأم واللغات التي تسلحنا بها في بلداننا التي هي الوسيلة المُثلى لإكتساب ما نحن بحاجة إليه. وكذلك من واجبنا دعمها مادياً ومعنوياً لترتقي سلم النجاح وتتكفل بتوفير ما ينبغي إيجاده وتوفيره للجميع دون تمييز أو مفارقة للكبار والصغار من كلا الجنسين من بناة أجيال المستقبل، بحيث أن تقع المسؤولية على كل فرد منتم ٍ بقناعة تامة، لتكون بمثابة المدرسة التي نستقي منها ما يعوزنا على يد من يضحوا بأوقاتهم طواعية بإمكانات وظائفهم وتخصصاتهم ومسؤولياتهم الخدمية المتفاوتة في حقول متعددة، شريطة أن يتم انتخاب " الرجل المناسب في المكان المناسب " لا أن نجعل من المحسوبية والمنسوبية " أي الحسب والنسب سلاح التحدي الفارغ والمصلحة الشخصية لأسباب واهية تفرضها أفكار موروثات التبعية العشائرية والشخصنة المقيتة الممزوجة بالإتهامات الفارغة بإعتماد مقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي " والعزوف عن المضامين الإصلاحية من ذوي المقدرة والكفاءة &والتعنت بالشكليات التي لا تجدي نفعاً كتلك البالونات التي لا يطول عهدها بإستمرارية وجودها على ما هي عليه. والأدهى من كل ذلك المراوغة المقصودة التي تفرزها بعض الأفواه بحجة الممازحة التي تكشف حقيقة المواربة في الكلام الشبيه بسم إبرة النحلة التي تغرزها في الجسم.&
إن كانت مفاهيم ما أشرنا إليه تشكل بعض الإيجابيات المُفترضة، فالسلبيات لا تقل شأناً عن ذلك إن لم تكن أكثر منها بما تشهد له حال واقعها المتردي أينما تواجدت وفي أية دولة كانت من خلال رؤيتنا وملاحظاتنا ومحادثاتنا الدائمة لمستوى التقييم، وكأن العدوى انتقلت وأصابت كافة تلك المؤسسات التثقيفية والترفيهية التي شلّت من فاعليتها الموثقة بأجمل العبارات في دساتيرها الرسمية. ومن تلك الأسباب الظاهرة للعيان قلة الأعضاء الحريصين والفاعلين بصدق وإخلاص، إنشطار هيكلية المؤسسة الجامعة وفق التعنصر العشائري والإقليمي، حالها حال الأحزاب السياسية، تمركز مجموعة معينة من منطلق " عمك خالك " دون أية خدمات تحتمها فقرات الدستور، إنحصار النشاط على فئة عمرية محددة بأهوائهم الخاصة، إفتقار فعاليات الأطفال والشباب من حيث الترفيه والتوعية، شحة وقلة الحضور لكافة المحاضرات التثقيفية والتعليمية، عدم الإلتزام بالمواعيد في العديد من المناسبات، عدم إحترام قرارات الهيئة الإدارية بتجاوزها والإستخفاف منها رغم جودتها لمصلحة المؤسسة، عدم الشعور بالمسؤولية المباشرة لمن يتولى مسؤولية واجب محتم ٍ عليه أو عمل ما، غياب الدورات التعليمية اللغوية وغيرها الخاصة بالشبيبة والنسائية أيضاً وإنعدامها على أقل ما يمكن قوله. وعن موضوع الحفلات الراقصة حدّث عنها ولا حرج من حيث التباهي الممغنظ والتبرج الصارخ وجملة الصرفيات للفرد التي تعيل عائلة منكوبة في الوطن وبلدان الإنتظار التي تستحلبهم، وبالتالي ليلقوا حتفهم في بحار سفن ومراكب النجاة غير المؤمنة، إضافة لأمور وأحداث أخرى غيرها.
لذا أود التساؤل هنا وبإستغراب، إن كنا حقاً ننادي بالحقوق القومية التي تتفرع منها مؤسسات ما لا يمكننا حصرها، ونعتبر منتدياتنا الخدمية التي نوهنا عنها بأنها دوائر حكومية شبه رسمية لنا، أليس من المحتم علينا أن نحترمها ونقدسها وندعمها؟! أليس من المفروض أن نقتدي بها كحقل للتجارب. وإن شاءت الظروف وتحققت أهدافنا السامية، ألسنا بحاجة إلى التسلح بقوانين مؤسساتنا المعهودة لتطبيقها بكل سهولة في مشاريعنا المستقبلية؟! حتماً سيكون الجواب بالإيجاب. إذن ليباشر كل واحد بمكانته على نفض الغبار العالق على كتفه ويجعله من الرواسب لتكوين أرضية صلدة لمشاريع أحلام أبنية المستقبل، طالما العالم في ارتفاع وإنخفاض وعلى شفا حفرة من وادي ونار أحداث حرب مستقبلية مروعة.&
كاتب آشوري ـ عراقي
&