&
تسارعت الأحداث بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تونس والتي خصصت في جزئها الأكبر لمحاولة حل أزمة حكومة التوافق الليبي التي نتجت عن اجتماعات الصخيرات وما اتفق عليه للخروج من عنق الزجاجة ووقف انهيار الأوضاع في ليبيا والتي وصلت مرحلة هيمنة الجماعات الإرهابية وتمددها بحيث صار بقائها ووجودها خطراً يتجاوز حدود الأزمة الإقليمية وبدأت تتحول لتهديد خطير للأمن في حوض البحر الأبيض المتوسط وتقترب بسرعة من الحدود الجنوبية لدول أوروبا.
شجاعة القرار الذي اتخذه رئيس حكومة التوافق فايز السراج بالوصول إلى طرابلس رغم تهديدات سلطة الأمر الواقع في طرابلس التي تحركها جماعات فجر ليبيا وارتباطاتها الإقليمية والدولية كسر حاجز الخوف وبدء بفرض معادلة جديدة تحاول إرضاء الأغلبية ولو بتقديم تنازلات أكبر من المتوقع ولكن لمحاولة تخفيف الصدام القادم على الأرض في العاصمة وبقية المدن التي تسيطر عليها هذه الجماعات.
واقع الحال والصورة التي يعكسها التفاؤل الكبير بنجاح التمدد في العاصمة وبقية المدن يعكسه الارتياح الشعبي وتفاعل الشارع مع القوات النظامية ورفضهم وقرفهم من سيطرة المليشيات وممارساتها طوال سنوات على أرض الواقع والذي صاعد درجة الكره لها والتخلي عنها في أول بارقة تحققت وهذا يعكس أن الخوف التي هيمنت فيه على الشارع بقوة السلاح والعنف تلاشى أمام وجود حكومة بدأت تفرض سلطتها وهيبتها بتسارع جيد ودون عقبات كان الكثيرون يتوقعوا وجودها على الأرض.
صمت وابتعاد تحالف الجماعات الإرهابية على مختلف تسمياتها ومنابعها عن الصدام أو الدخول في اشتباك مع قوات حكومة فايز السراج أثار الكثير من الأسئلة الحائرة فهل يمكن أن تكون المجاميع الإرهابية بداية بالجماعة الإسلامية المقاتلة وغيرها من قوات فجر ليبيا وحلفائها في المجموعات الإرهابية ضعفاء لدرجة السكوت وعدم المواجهة والتسليم بسرعة تفوق أفضل توقعات المتفائلين بنجاح سيطرة قوات حكومة التوافق على الأرض.
تشابك الصراعات والانقسامات القبلية والخلافات بين مناطق الشرق والغرب الليبي والخلافات العرقية تجعل من إمكانية توقع نجاح سريع لحكومة الوفاق الوطني في مواجهة التحديات التي يتصدرها ملف الإرهاب المتمدد في كامل ليبيا وخاصة بالمناطق التي تسيطر عليها جماعة فجر ليبيا.
كيف سيتم تفكيك ملف الإرهاب ومن أين ستكون البداية مع التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة فايز السراج في طرابلس التي تحتضن قيادات الجماعات الإرهابية وترتبط بعلاقات وثيقة وقوية مع عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر التي تسيطر على مساحة كبيرة على الأرض في المناطق الليبية التي تسعى حكومة التوافق لبسط سيطرتها عليها.
تسارع الأحداث لا يبشر بالمطلق بالقدرة على إدارتها والسيطرة عليها في انتظار التفاهمات مع أباطرة الإرهاب والجريمة الذين تحولوا لقوى لا يمكن تجاوزها والتعامل معها بأسلوب العصا والجزرة سيعطي مساحة لها للاستمرار بالعمل وببقاء تحالفاتها ممتدة في الميدان مما يحول حكومة فايز السراج إلى غطاء هلامي يغلف الوجه المشرق ويخفي الحقائق المفزعة.
التعايش مع جماعات الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة ممكن بشروطها والتي ستجعل من رئيس حكومة التوافق الليبية رهينة بين يديها والصدام معها سيكون قاسياً ودموياً والمخاوف اليوم مرتفعة بأن تكون ليبيا في المرحلة القادمة تكرار لما جرى ويجري في &العراق منذ سنوات باستهداف الجماعات الإرهابية للمدن بعمليات إرهابية ضخمة تشكل عقاباً للحكم والشعب الذي لم يقبل بأن يكون حاضنة لهذه الجماعات وخزان دعم بشري ومادي لها.
الصورة الوردية التي يتم تسويقها بتسارع مقلق تخفي حقائق خمس سنوات مفزعة نجح الإرهاب فيها بالتمدد وفرض نفسه كواقع على الأرض في ليبيا واستئصاله يحتاج لجهد يفوق بكثير ما يحكى عنه اليوم، والحكومة التي تعمل ستواجه تحديات خطيرة قد تصل لحد المساس ببقاء رموزها وقدرتهم على التحرك والعمل.
ليبيا اليوم في لحظة فارقة الصعوبة بين محاولة الخروج من بوتقة الإرهاب والفوضى وواقع الحال المنقسم بين الولاءات القبلية والحلم ببناء دولة حديثة لم تعرف بعد ليبيا على امتداد تاريخها شكل ومضمون هذه الدولة.&