الفرات والامتداد الصحراوي ليسا الخبر الراهن الجامع بين الفلوجة العراقية والرقة السورية، هذه الأيام الحرب ضد داعش تتزامن هنا وهناك، وكأن الفراتيتين في مصير واحد.&
المعركتان هنا وهناك انطلقتا في وقت متقارب، وفي الجانبين يقود الأمريكيون الحرب. والاختلاف الأهم هو الظروف الموضوعية للبلدين، العراق وسوريا. في الأول هناك استقرار سياسي أكثر، والغرب وعديد من دول العالم تدعم حكومته، ما جعل عملياتها العسكرية مدعومة بشكل مباشر، بينما في الثاني؛ تحظى السلطة بدعم علني من قبل عدد محدود من الدول فقط. القرار الأمريكي في العراق أن الفصائل الشيعية لا تشارك مباشرة في العمليات الدائرة، بل تقوم بعملية عزل وحماية الخطوط الخلفية للقوات المقاتلة، وعلى رأسها الجيش والشرطة، أما في سوريا فان العمليات تقاد من قبل فصيل غير اسلامي، وهو "قوات سوريا الديمقراطية" الذي يشكل كرد سوريا قوامه الرئيسي.
في المجالين العراقي والسوري يبدو أن قرار انهاء وجود داعش اتخذ فعلا، ومن المرجح ان يطوي العام الحالي وجود هذا التنظيم في المواقع الحيوية، تحت الرعاية الغربية وبيد قوات محلية. وهذه هي المنهجية الأمريكية الجديدة بعد اخر تدخل عسكري لها في 2003، خصوصا في فترة أوباما، وهي التدخل الجوي واللوجستي وتدريب المقاتلين وصناعة البيئة السياسية او العسكرية المناسبة.
إلا أن التعقيد السوري سيلقي بظلاله على العمليات العسكرية، اكثر مما هو الحال العراقي. لأن بغداد في وضع أقل تعقيداً، بسبب عاملي الدعم الغربي لعمليته السياسية، رغم التحفظات على بعض المسارات، والنفط الذي يخلق مستوى من الارتياح رغم انخفاض الاسعار. بينما تعاني دمشق من تشرذم كبير، ونظام لا يحظى بشرعية كافية، وضغوط اقليمية ودولية، وانتشار سلاح معارض للسلطة موزع على جماعات لا تحصى، وانقسام التطرف الجهادي بين داعش والنصرة، وتحركات كردية غير واضحة التحالف بين النظام ومعارضته، وتركيا تعارض الكرد لكنها تدعم الخيارات "الثورية"، وتدخل عسكري وسياسي روسي كامل في ظل مشاركة إيرانية ميدانية صريحة، وأموال وأسلحة سعودية وقطرية واسعة العطاء، ومقاتلون من كل حدب وصوب، ونزوح غير مسبوق عربياً، وانهيار اقتصادي... &
في الوضع العراقي يبدو أن أغلب الفرقاء السياسيين او لنقل الجهات النافذة الرئيسية متوافقة على العمليات في الفلوجة، خصوصا بعد أن رضي الحشد بالبقاء في الخطوط الخلفية لها. بينما في سوريا فان "جيشها الديمقراطي" خاضع لتهمة أنه جيش محكوم بنوايا كردية انفصالية، متحفظ عليه تركياً، ولا تنظر له إيران نظرة ارتياح. ربما سنرى هذا الوضع في عمليات الموصل في حال اختلف الجميع بين مشاركة الحشد والبيشمركة والاتهامات المتبادلة بين الثلاثي الشيعي والسني والكردي هناك. لكن حتى الان الامور مختلفة، وهذا ما يندرج ضمن استقرار الرؤية لمستقبل العراق، وعدم اتضاح المسار السياسي في سوريا.
مؤشرات تقول إن اتفاقاً ما بين الروس والامريكيين حول سوريا، ربما هو تقاسم أدوار للخروج بحل. موسكو الآن تركز على التحركات والمشاريع السياسية بينما تمارس واشنطن المهمة العسكرية ضد خلافة البغدادي. وبحسب بعض المعلومات فإن المسار السياسي يسعى لمقاربة النموذج العراقي بالحكم، أي دولة يتقاسم سلطتها مثلث سني ـ كردي ـ علوي، مع اضافة المسيحيين بسبب نسبتهم غير القليلة هناك، فضلا عن تقسيم سوريا فدراليا، وهذا ما يفسر علو الشأن الكردي في المعادلة، لأنه الوحيد بين المعارضة المسلحة السورية الذي يعارض كل الجماعات الدينية الجهادية، ويمتلك رؤية فدرالية. ولا يبدو أن الأسد موجود في مستقبل المعادلة السياسية، رغم أن الروس يتحاشون جعل رحيله شرطا في الحل. وهنا تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على حلفائها العرب لقبول التسويات الجديدة.&
وليس بعيداً عن الحل الغربي العسكري ومشروع الحل الروسي السياسي، فإن البلدين اللذين جمع بينهما البعث سابقاً وداعش راهنا، سيجمع بينهما أيضا مفصل الانتقال للمرحلة الجديدة، وأظنها مرحلة ما بعد داعش، وما بعد البعث التي بدأها العراق مبكراً. فبين المعركة في الرقة، والرؤية السياسية الآخذة بالتبلور، ومعركة الفلوجة واتساع رقعة حاملي السلاح ضدها في الصف السني، تتضح بعض الملامح في كبرى أمتي الهلال الخصيب، على الأقل على مستوى التسوية الأمنية المتدرجة أو الشاملة.
&