يغيب عن أذهان البعض أن الدستور التركي هو دستور علماني ولا يمكن لأردوغان الخروج عنه، وتركيا كانت من أقوى الدول الحليفة لإسرائيل لعقود، وهي تتنوع في مواقفها حسب مقتضيات المرحلة، فهناك متطلبات اقتصادية وهناك متطلبات علاقات عامة، ولم يكن وقوفها إلى جانب حماس إلا ضمن متطلبات العلاقات العامة، ومنافسة لإيران التي تسعى هي الأخرى إلى كسب ود الشعوب المغلوبة على أمرها لتدخل إلى داخل دولهم، ولكن وقت الجد، فإن كلا الدولتين تقدمان مصالحهما على فلسطين والعالم العربي بأجمعه. فكلا الدولتين محتلتان تاريخيا لهذه المنطقة المنكوبة. والغريب أن العرب لا يستفيدون من التاريخ، ويعيدون نفس الأخطاء. فهم يرتمون في حضن المحتل والمستعمر بسهولة، وأكبر دليل على هذا العلاقات الطيبة التي تربط العرب بالولايات المتحدة بعد كل ما لحق بهم من دمار بسببها.

إن العرب يتجنبون العرب ومستعدون للتحالف مع الشيطان نكاية ببعضهم. لقد آثرت حماس التعاون مع تركيا بدلا من السلطة الفلسطينية مع أن تركيا تذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه السلطة، وعلى الأقل فالسلطة الفلسطينية ظلت محافظة على مبادئها ولم تبع وطنا ولم تقدم تنازلا عن حق عودة اللاجئين، وفلسطين ضاعت بالأصل وهي تحت الحكم التركي، فلماذا يا حماس؟

لقد أدركت تركيا ثقل موسكو وإيران في سوريا وأنها معرضة لهجمات إرهابية عاجلا وليس آجلا، وأن ايران وجدت مستقرا لها في سوريا وسوف تستولي إيران وروسيا على النشاط التجاري عبر الموانئ السورية والولايات المتحدة التي استندت عليها تركيا لا تحرك ساكنا وباتت الأمور شبه محسومة، فهرعت إلى حضن إسرائيل وروسيا لتحقق مكاسب أمنية واقتصادية، وزينت الاتفاق ببعض البنود التي تسمح بإرسال طعام ودواء إلى غزة لتحسين صورتها. ولكن صورتها ستظل بشعة كصورة ايران، وها هي تتجرع سم الإرهاب الذي بثته في المنطقة متاجرة بدم العرب، أسوة بايران، والعرب يتفرجون ومنساقون خلف تركيا وايران نكاية ببعضهم البعض.

ذاكرة العرب قصيرة جدا، فقد نسوا الاحتلالات المتتابعة من فرس وأتراك للمناطق العربية، وعندما ضاعت فلطسين، سمحوا للأتراك والفرس الدخول إلى أراضيهم بدعوى الصداقة والتحالف، متى سيقرأون التاريخ قراءة المدرك لأبعاد الحقائق ويعرف أن هذه دول قومية تعتز بقوميتيها التركية والفارسية وأنها لا تدعم العرب إلا بالحد الذي يحقق مكاسب لها؟ وايران التي تبث الطائفية لن تقف في وجه إسرائيل ولن تساند حماس ولم تدَّع دعم الفلسطينيين إلا كمدخل لها وكسب ثقة الفلسطينيين ولكن على أساس التشيع والفتنة الطائفية التي ستدمر فلسطين وكافة الدول العربية.

لقد تعبنا من الخطابات، ويبدو أن الفسطينيين لن يتصالحوا والعرب لن يتحالفوا ولن يتفقوا على خطة استراتيجية تبعد المستأسدين والمتنمرين عن البلاد العربية، ولن ينبذوا التفرقة الدينية والطائفية والمذهبية، وفي النهاية سيجدون أن كل الرؤوس الكبيرة التي كانت تدفعهم للاقتتال الداخلي أصبحوا أصدقاء وحلفاء،&وبقي العرب وحدهم محطمين وخاسرين لكل شيء ثم يعيدون التاريخ نفسه، ويتحالفون مع أعدائهم ويشرعون لهم الأبواب ليعيدوا احتلالهم من جديد.