&

يتسم الكردي المسلم بصفات حميدة تقربه من القيم الانسانية أكثر مما تقربه من القيم الدينية، وهذه القناعة ناجمة من الايمان بانسانية الانسان أولا وليس الايمان بانسانية الفرد المتدين، لان الأخير قد ينتهج مماريات وسلوكيات متطرفة ومتشددة ومتخلفة وبعيدة كل البعد عن المفاهيم والأعراف والقيم الانسانية التي تسير المكونات والمجتمعات البشرية.

وبالرغم من ايمان الكردي المسلم بالاركان الاساسية للاسلام، الشهادة والصلاةة والصيام والزكاة والحج من استطاع اليه سبيلا، الا ان اساس وجوهر ايمانه يعود الى ركنين أساسين، وهما الايمان برب العالمين والعمل الصالح، واما بقية الاركان فان انجازها والقيام والالتزام بها هي مسألة نسبية تختلف درجتها من فرد الى اخر، ولكن تطبيقها بكل الاحوال تبقى في حدود الاعتدال والايجابية والنوايا الحسنة والاعمال الصالحة وبعيدا عن السلبية والتشدد والتطرف والتخلف الديني، وهذا ما يبرر انفاتحية واعتدال وانسانية الانسان الكردي في معتقداته الدينية وافكاره وارائه وسلوكياته الحياتية والاجتماعية.

وخلال التجربة الانتخابية في اقليم كردستان طوال ربع قرن، وبالرغم من حداثتها ووجود بعض الخرقات فيها، الا ان الكرد لم يمنحوا الاغلبية للكيانات الدينية بل منحوها للاحزاب القومية العلمانية، وخلال الدورات النيابية الانتخابية لم يحظى اي حرب اسلامي او ديني بزمام الأغلبية البرلمانية لقيادة المجتمع والسلطة في الاقليم، وبينما امام هذا المشهد نجد مشهدا معاكسا لدى بعض شعوب الشرق الاوساط وشمال افريقيا، حيث منحوا الاغلبية للاحزاب الدينية والطائفية كما حصل في العراق وتركيا وايران ومصر والجزائر والسودان ولبنان، وهذه الاغلبية لارساء الحكم الديني جلبت معها على شعوبها دمارا سياسيا وأمنيا واجتماعيا وتنمويا بالرغم من اتصاف بعضها بإرث حضاري، وبسبب هذا التحول غير المدني واللاعقلاني وقع بعض دول المنطقة في منظومات سياسية غير انسانية نتيجة لارساء نظام حكم ديني، وهذه االأنظمة الجائرة قد سحقت اللوائح الدولية ومواثيق الامم المتحدة في مجال حقوق الانسان سحقا تاما، وبات المواطن فردا مسجونا وكائنا مسحوقا لا حول له ولا قوة.

وبفضل الكرد سن في العراق افضل دستور شبه علماني في المنطقة وفي ظل اغلبية للمكون الشيعي الذي اراد بعض مكوناته السياسية سن دستور وفق المنظور الديني، وفي ظل ضغوطات لبعض المكونات السنية السياسية التي ارادت فرض صبغة عروبية على الدستور وعلى حساب المباديء والقيم والثوابت الانسانية، ولا شك ان الالحاح والاصرار الكردي في اخراج دستور شبه علماني لتنظيم سلطة الشعب العراقي قد سمح بانجاز افضل مرجع دستوري لتنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومستند الى الثوابت الانسانية والمباديء الديمقراطية واللوائح الدولية لحقوق الانسان، ولو ان ما شهده العراق طوال سنوات العقد الماضي كان مشهدا مغايرا لروح ونصوص ما نص عليه الدستور الدائم.

وسن الفقرة الدستورية "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، والفقرة "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية" في نصوص المادة الثانية من الدستور الدائم للعراق، عدَ مكسبا كبيرا للقوى السياسية الكردية والعلمانية العراقية لحماية الدستور من ارتمائه بالحضن الديني والطائفي، وجاء بمثاية اقامة ستار واقي ومانع تشريعي ضد مخاطر النص الدستوري " الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع " ونص الفقرة " لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام " التي أقرت في المادة الثانية بطلب من القوى العراقية السياسية الدينية الشيعية والسنية.

ومن باب حسن التدبير في المجتمع الانساني والفكر المدني، فان أفضل الدعوات التي شهدتها الساحات السياسية والفكرية في الشرق الاوسط خلال سنوات العقد الجاري، هي الدعوة العلمانية التي انطلقت في الاقليم الكردي، والتي دعت الى فصل الدين عن الدولة من خلال تحديد الدين بالعلاقة بين الفرد وربه، وترك ادارة المجتمع للدستور المدني وتطورات الفكر الانساني، وهذه الدعوة الجادة انطلقت من بعض المنظمات والجمعيات والمكونات السياسية والثقافية والاجتماعية الكردية لفصل الدين عن منهج الدولة، وما زال العمل يجري بهذا الاتجاه لارساء هذا المبدأ في الدستور المقترح لاقليم كردستان العراق.

هذا كما ونجد ان الاسلام في المجتمع الكردستاني يتعامل معه الفرد بانفتاحية كبيرة وايجابية كثيرة وواقعية منطقية، وبقناعة بسيطة بعيدة عن آثار وافرازات حالات التعقيد والتشدد والتطرف والعنف والممارسات اللانسانية التي أفرزها بعض الشعوب المذهبية والمنغلقة عن نفسها في المنطقة، ولا ينكر ان نموذج الاسلام الكردي بات من النماذج الدينية المتقدمة والمعتدلة في الشرق الاوسط لتميز الفرد بالممارسات الانسانية والسلوكيات الايجابية وتميز المجتمع بالتسامح والتنوع والتعددية والتعايش المشترك داخل المكونات القومية والدينية والمذهبية للمجتمع.

وتأكيدا على الايجابيات التي يتسم بها المجتمع الكردستاني انسانيا واجتماعيا ودينيا ضمن اطار النموذج الاسلامي المعتدل والمنفتح، نلاحظ ان الكردي المسلم وكذلك المسيحي والايزيدي والعلماني والمتدينن يتصف بصورة عامة بمجموعة من الصفات الأساسية الجميلة والنبيلة من منطلق انساني أولا وديني ثانيا واجتاعي ثالثا، وهذه الصفات هي الصدق، الصبر، التسامح، العفو، التعاون، المساعدة، الضيافة، الوفاء، السخاء، علو الهمة، صفاء القلب، الاعتبار، العمل الجاد، الاخلاص، الالتزام، اطعام السبيل، مراعاة اليتامى، الرفق، حسن التربية، كرم الخلق.

وعلى العموم يتصف الاننسان الكردي بمجموعة من الخصال الحميدة النابعة من الاسلام والأديان السماوية المسيحية واليهودية، وهي تقع ضمن المنظور الانساني لنموذج الاسلام الكردي المعتدل، والخصال هي: الانسانية، العمل الصالح، معرفة وتقديس الخالق واحترام المخلوق، الايمان برب العالمين، التوحيد، العبادة، الإخلاص، الدعاء، التقوى، اليقين، التوسل للرحمن الرحيم، التقرب، المحبة، الاعتصام بالرب الواحد، الخشية من الخالق، الرهبة، الخشوع، القنوت، القناعة، الرجاء، التضرع للرحمن، مراقبة النفس، الورع، الرغبة في نيل الرضا، الرحمة، الفرح، تقدير فضل الرب، الذكر للرب، الحمد والشكر للرب، الايمان بالقدر وبمشيئة رب العرش، الصلاح، الاستسلام الى الرب، حب العمل، حب الخير، تسبيح وتقديس الرب، تعظيم الخالق، حفظ اليمين، السمع الى كتب السماء، الاخذ بنصح الصالحين، الطاعة، الاستعانة بالرب، التوكل على الرب، الاهتداء بهدى الرحمن، التمسك بكتب الرب، الاتباع والطاعة، الالتزام، الاعتدال، البراءة من أعداء الانسانية، تلاوة الكتب، الاستماع، الحكم الرشيد، التحاكم الى الخير، الايمان بالسلام، الدعوة الى الصلاح، التفكير الانساني، التدبر في شؤون الحياة، التذكر بنعمة رب العالمين، ضبط النفس، الاستغفار، التوبة، الطمأنينة، تفويض الأمر الى الرب، الرضا وقناعة النفس، ابتغاء رضوان الرب.

ويتصف المسلم الكردي أيضا بمجموعة من الصفات الفردية والجماعية الجميدة وعلى كافة المستويات الحياتية والعملية والاجتماعية افرادا وجماعات لتسيير المجتمع على مسار صائب بعيدا عن الأزمات الانسانية والأخلاقية واستنادا الى روح تطبيق الاعراف والمباديء والقيم والمثل الددينية التي تدعوا اليها القران الكريم والكتب السماوية الاخرى والانبياء والدعاة الصالحين، والصفات هي: العدل، الاحسان، الكرم، النصيحة، الالفة والانسجام، السماحة، الحكمة، الاصلاح، التواضع، السكينة، الرفق، الطيبة، الكلام الطيب، الشفقة والحلم والتأني، الوسطية، البشاشة، الاعتدال، الانفاق المقنع في السراء والضراء القناعة، حب الحلال، كره الحرام، العفة تجاه المال الحرام، صلة الرحم، ايتاء ذي القربى، الاحسان الى الوالدين، الدعوة الى الخير، الأمر بالمعروف، والنهي عن العمل غير الصالح، التعاون على البر والتقوى، التواصي بالحق والتواصي بالصبر، نقاء وصفاء القلب، السرور بتحقيق مصالح الاخرين، محاربة الذلة، الرحمة، ادارة الامر بالشورى، كظم الغيظ، المغفرة عند المقدرة، العفو والصفح، عدم الغلو، دفع السيئة بالحسنة، العزة بالنفس، الشدة على الظالمين، الثبات عند التهديد، الثبات عند الشدائد، الثقة بالنفس، الاعتماد على الذات، اداء الأمانة، الصدق في الوعد، الوفاء بالعهد والامانة، تحمل الأسى، الصبر على الشدائد، الاعتزاز بالحق، أداء الشهادة بالحق، عدم الخوف من لومة اللائمين، البيان، العفو من الناس، المشي بسكينة ووقار، الانصاف، عدم بخس الناس، الاعتراف بالفضل، الاعتذار، الاستماع لكلام الناس، كره الظلم، كلمة الحق عند الظالم، محادثة الاخرين بما هو احسن، اختيار افضل الكلام، الحوار الهاديء، الجدال بالتي هي احسن، الغض عن الهفوات، التحلي بالحياء، التستر، فضل للخير، الاستقرار، الامان، حب السلام، حب الاخرين، حب المجتمع، التمتع بمباهج الحياة، التعايش، حب الانسانية، التسامح، الصداقة النافعة، احترام الزمالة، العمل الجماعي، حب الخير.

ولابد من التذكير ان الخصال والصفات التي ذكرناها بانواعها لا تعني انها خاصة فقط بالكرد المسلمين من السنة والشيعة والمذاهب الاخرى ضمن اطار المجتمع، وانما يتصف به على العموم أغلب الافراد من كلدانيين وسريانيين واشوريين وايزيديين ويهود وزردشتيين وبجميع أديانها ومذاهبها وقومياتها واقلياتها وطوائفها، وهي العلامة المميزة الفارقة التي يتميز بها الشعب الكردي في المنطقة وعلى مستوى كافة الشعوب الشرق الأوسطية، وهذا ما جعل من نموذج الاسلام الكردي ان يترسخ داخل المجتمع وان يقبل بتقدير واحترام من قبل كافة المكونات القومية والدينية غير المسلمة في اقليم كردستان، وكذك في الاجزاء الاخرى من كردستان في تركيا وايران وسوريا، وان يحظى بتقدير ومحبة بقية الشعوب في المنطقة من ترك وفرس وعرب رغم معاداة البعض منهم للحقوق السياسية والوطنية والقومية للكرد، ولا ينكر ان موقف عرب العراق بعد سقوط نظام البعث البائد يخظى بتقدير من الشعب الكردي خاصة وانهم باتوا اقرب الشعوب اليهم ولحبهم للخير والحرية، والعلاقة التي ربطت بينهما في العراق الجديد بدأت تتوجه الى قبول انقصال الكرد بايجابية عالية بسبب البعد الانساني لنموذج الاسلام الكردي ونموذج المجتمع العراقي الجديد المعادي للطائفية والفساد والظلم وبقية النماذج الدينية المتسمة بالسلام والتعايش والتسامح والاخوة والمحبة والانسانية.

وأخيرا لابد من القول انه قد حان الوقت لدراسة النموذج الكردي من جميع جوانبه الانسانية والدينية والاجتماعية لاستخلاص العبرة والاستفادة منه قدر الامكان، والبدء بدراسة الايجابيات الكثيرة التي يتميز به، والعمل الجاد للاقتداء بحالة الاعتدال والتسامح والتعايش السلمي التي يتصف به النموذج الكردي للاسلام، ولا شك ان هذا النهج السليم يضمن الاستقرار والأمان لدى كل الشعوب المحبة للخير وللسلام، لانه منطلق من منبع انساني نبيل يضمان الحياة الكريمة والحرية والعدالة والمساواة لكل المجنمعات المحبة للانسانية، والله من وراء القصد

&

* كاتب صحفي

ــــــــــــــــــــــــ

هامش:

تم الاستفادة من كتاب باللغة الكردية بعنوان موسوعة الأخلاق والصفات في الاسلام، علي بابير، اقليم كردستان، اربيل، 2016.