&
&
ما ذهبت اليه في المقالين السابفين المنشورين في ايلاف بعنوان "نموذج الاسلام الكردي"، لم اقصد بهما بتاتا السلطة المستبدة في اقليم كردستان، والتي تتحكم بها عوائل حاكمة متسلطة وطاغية من أهل الفساد والنفاق واتباع الشيطان، وكذلك لم اقصد بهما بتاتا الاحزاب والكيانات السياسة في الاقليم وفي بقية الاجزاء الاخرى من كردستان، وما عنيت بهما مجموعة من الخصال الحميدة والصفات الانسانية النبيلة المتميزة للمجتمع الكردي بعيدا عن سلطة الحكم، والشعب الذي تقع اوطان مجتمعاته في العراق وتركيا وايران وسوريا، حيث تتميز مكوناته الدينية والمذهبية بعدم التطرف والعنف والارهاب، وهي من خلال ممارساتها وشعائرها باتت يمثل نموذجا صالحا للاسلام المعتدل في المنطقة، نموذج ترافقه نماذج كردية اخرى للمسيحية وللايزيدية وللزرادشتية، ونماذج اخرى لبقية الاديان السماوية وغير السماوية التي تؤمن بها الأغلبية الساحقة من افراد الشعب الكردي.
&
واعتمادا على مجريات واحداث ما حصل طوال ربع قرن من ارساء لسلطة وحكومة فاسدة مارقة وبسيطرة كاملة من عوائل واحزاب حاكمة، فان نموذج الحكم الذي قدمته الفئات الباغية والمستبدة والطاغية بعيد كل البعد عن نموذج الاسلام الكردي الذي تحظى به أغلبية كبيرة من الشعب، ولا يمكن مقارنة سمات نموذج الحكم بالخصال الجميلة والنبيلة التي يتمتع بها مجتمع الاقليم بصورة فردية وجماعية، والنموذج الفاسد المخرب للحكم نتج عنه افرازات سلبية عديدة بواقع المجتمع ولكن اخطرها تسليب اردة الشعب.
&
وما حصل من سلب لارادة الشعب في الاقليم جاء نتيجة لتسلط واستيلاء مجموعات مسلحة فاسدة على مقاليد امور المجتمع من خلال الصعود على سلالم السلطة والحكم، والسيطرة على كل اركانها السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية، وبفضل معاونة امريكية واقليمية من دول المنطقة، كل ذلك من اجل اخضاع ارادة الشعب الكردستاني بجمبع نماذجه الدينية ومكوناته القومية تحت سقيفة قاتمة للحكم الظالم الجائر المستبد، ولم يقصد منها الا نهب وسرقة الاموال والثروات والممتلكات العامة وطوال ربع قرن من السنين السواد، وبرعاية قيادة فاسقة ومافيات طاغية تتركب من مجموعات عائلية وحزبية وميليشوية، وبامتدادات محلية وعراقية واقليمية ودولية لنهب الوطن الكردي بكل محتوياته وبما فوقه وتحته من ثروات كامنة.
&
ولهذا نجد ان نموذج السلطة الكردية بات نموذجا مكروها من قبل اغلبية المكونات الشعبية للمجتمع، وباتت اركان حكمه توصف بمافيات عملاقة لا انسانية لها ولا ضمير ولا وجدان في قلوبها، وهذه المجموعات المتسلطة من العوائل الحاكمة والحزبية تحولت الى دويلات قوية نافذة لايمكن الاستهانة بقوتها ونفوذها وسيطرتها على كل مفاصل الحياة السياسية والامنية والاقتصاددية والتجارية والمالية في القطاعين الحكومي والأهلي،، ولا ينكر انها تحولت الى كارتيلات كبيرة تسير مقاليد نظام الحكم وامور البلاد، وتمتلك علاقات مشبوهة مع أنظمة دول عديدة ومجموعات اجنبية يعتقد انها من المافيا الدولية
&
وبعكس ما يتصف به المجتمع الكردي من خصال حميدة ونموذج معتدل للاسلام يتميز بالانسانية والمحبة والتعايش، فان نموذج السلطة في الاقليم يتسم بأسوء الصفات من سلوكيات وممارسات شنيعة وبعيدة كل البعد عن الاخلاق والقيم الانسانية، ومن جملة ما تتصف بها هذه السلطة هي: الظلم، الفساد، النهب، السرقة، القمع، الاستبداد، الاستعباد، الاعتداء، نهب المال العام، نهب الاراضي العامة، الاستيلاء على حقوق الغير، خرق القانون، الاحتكار، الاستغلال، خرق الديمراطية، سحق العدالة، سحق المساواة، سحق القانون، الكسب اللاشرعي، الثراء اللاقانوني، الحكم اللاشرعي، اللعب بمصير الشعب، اللعب على الاوتار، العمالة، الوكالة للاجانب، الخيانة، اغتيال الوطنية، تخريب التقاليد العامة، تدمير الاعراف الانسانية، محاربة تقاليد المجتمع، تخريب الكفاءات، تحطيم المؤهلات، تدمير الانتاج المحلي، التسليم لارادة الاعداء، خدمة مصالح الدول، احتكار السلطة، تزوير الانتخابات، تشويه الديمقراطية، تخريب البنية التحتية للاعتماد على الذات، تدمير البنية التحتية المعنوية للانسان والمجتمع، تشويه العمل السياسي، تزويق الاعلام، تعميم ثقافة الفساد، تعميم ثقافة الارتزاق، فرض الارادة اللاوطنية، احتقار العمل الوطني، خرق وسحق حقوق الانسان، التجارة بالشعب والصحة العامة، التجارة بالتربية والتعليم، ارساء ارستقراطية زائفة، التحزب والحزبية المقيتة، الانفرادية، الدكتاتورية، سطوة العائلة الحاكمة، وغيرها وغيرها من صفات سيئة وخواص نابعة من نفوس شيطانية وعقول متعفنة تتحكم بمصير الكرد وحاضره منذ ربع قرن من السنين العجاف، ولكن هذا لا يعني ان الحكم الكردي فقط يتميز بتلك الصفات السلبية الشنيعة، بل ان أنظمة الحكم في أغلب دول المنطقة والشرق الاوسط تتميز بتلك الصفات الرديئة..
&
والمقرف ان الازمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي تعرض لها الاقليم في السنوات القليلة الماضية كشفت هول وغول الفساد الرهيب الساري في عروق وشرايين السلطة، وبينت زيف ادعائاتها الفارغة، وازال الستار عن حقيقة انعدام البنية التحتية لكل مقومات ومعطيات تواصل واستمرارية حياة المجتمع، وازالت الغشاوة عن النوايا الحقيقية لازلام الحكم واستهتارهم بمفدرات وبمصير الشعب وكأنه سلعة رخيصة خاضعة لعروض البيع والشراء في الاسواق، وبينت التركيبة الحقيقية لافراد السلطة والعوائل الحاكمة انها وحوش كاسرة لم تألف الانسانية ولم تقرب يوما من مفردات النبل والقيم والمباديء والاعراف والتقاليد والخصال الحميدة.
&
ولا ينكر ان الشعب الكردي حائر امام ما يحصل من نهب شامل لامواله وثرواته وممتلكاته، وبالرغم من رفع اصوات معارضة ضد السطة هنا وهناك، الا انها غير قادرة على مجابهة عدوانية النظام الحاكم، وبالرغم من اتصاف المجتمع بنماذج دينية انسانية الا انها لا تتصف بمجابهة ايجابية لصالحه مع السلطة المستبدة، وبات الشعب تلازمه حالة من الصمت السلبي حيال الفساد والنهب والطغيان والاستبداد الحاصل بحق حقوقه الطبيعية، وترك ساحة المواجهة فارغة تركت اثارا سلبية على الشعب وعلى سمعته وكرامته وعلى مصيره ومستقبله.
&
ونتيجة لواقع الصمت الكردي تجاه استبداد السلطة فان حالة من السبات والركود والجمود واليأس الشديد بدات تتسرب الى نفوس اعداد كبيرة من افراد المجتمع، وبالمقابل امام هذا الصمت غير المقبول تتحكم السلطة بكل مفاصل الحياة وبجميع مكوناتها المادية والمعنوية، وتتمتع بسلطة تحولت من خلالها الى حاكمية مطلقة تمارس كل انواع الطغيان.
&
وما حصل من حالات نفاق وخداع كبيرة في الاستقطاعات المتواصلة باسم "الادخار الاجباري التجويعي" في رواتب الموظفين في الاقليم وتاخر متعمد في معاشات البيشمركة والقوات الامنية، كشفت حقيقة الامور على بواطنها وبرهنت ان الفئة الحاكمة الباغية ما هي الا مجموعة مافيات تريد ان تترك كردستان خاوية بدون وطن ولا مجتمع، ورقع السلطة لشعارات زائفة بحجة اقامة الدولة الكردية ما هي الا نغمات مزيفة تلعب باوتارها لجعل الشعب جائعا وذليلا وتابعا لاهل السلطة والعوائل الحاكمة.
&
لهذا نقول وبقلم عريض شتان بين نموذج الحكم ونموذج الاسلام لدى الكرد، شتان بين نموذج يملؤه النهب والفساد والطغيان والاستبداد والصفات الشيطانية ونموذج يملؤها الخير والانسانية والتعايش والخصال الحميدة، وبالرغم من برودة ساحة المواجهة بين الكرد وسسلطته الباغية الا انه شتان بين مصير النموذجين، فالاول حتما مصيره الزوال بحكم الشعب والتاريخ، والثاني مصيره البقاء في الماضي والحاضر والمستقبل بحكم القناعة وضرورات صيرورة المجتمع وبحكم دعوات الشعوب المحبة للخير والحرية والكرامة والانسانية.
&
وفي الختام نأمل من كل انسان كردي ان يقرأ واقعه بحكم ضرورة حماية حاضره ومستقبله، خاصة وان ارض الاقليم باتت منهوبة بكل مكوناتها وثرواتها، وفي حال استمرار هذه الحالة فان ما ينتظر الكرد قاتم ومظلم، ويبدو ان نية السلطة تتجه لرمي الكرد برمية ابليسية في البحر ورميها في التهلكة والفناء لتحويل الاقليم الى ضيعة عائلية لا شعب لها ولا أرض، وحينها لا ينفع الندم.
&
ولهذا لابد ان يتخذ الكرد قرارهم الوطني بالتغيير وبأساليب مدنية، والا فان ما ينتظرهم سواد ودمار في ظل السلطة الحالية، ولابد للكرد ان يعوا ان حاضرهم ومصيرهم امام مستقبل من الظلام الدامس، ولهذا ما من سبيل امامهم لخلاصهم وانقاذهم سوى كسر القيد والدفع بسواد الليل ان تنجلي.
ورحم الله الشاعر ابو القاسم الشابي حين قال:&
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســــر
وعليه اقول:
اذا الـحـكم دهرا أهـان الأكراد فـلا بـد ان يسـتـنـيـر الشـفـق
ولا بـد لـلـظـلــم ان يـنـسـحـق ولا بـد لـلـعــدل ان يـسـتـفـق
ــــــــــ
&
* كاتب صحفي
&