"أنا مواطن لبناني، ومن حقي أن أعيش في أي مكان على أرض وتحت سماء لبنان" كلمات قالها مواطن لبناني تم إجباره على الرحيل من منطقة الحدث الواقعة في المتن الجنوبي بضاحية بيروت الشرقية، وعلى الرغم من الرفض اللبناني الرسمي والشعبي لقرار رئيس بلدية الحدث جورج عون بمنع المسيحيين من تأجير أو بيع أراضيهم ومساكنهم لغير المسيحيين حفاظاً على الهوية الديموغرافية للمنطقة، إلا أن "بي بي سي"، وغيرها من وسائل الإعلام العالمية لازالت تتتاول القضية بمزيج من الدهشة والإستياء، فالأمر يتعلق بفكرة المواطنة التي يرى العالم أنها أهم من الدين.

كما أنه لا يوجد في شروط الترشح للمناصب القيادية العليا مثل الترشح للرئاسة مثلاً،&&أو حتى في الوظائف الدنيا في كافة دول العالم ما هو أكثر أهمية من شرط الجنسية، صحيح أن دساتير بعض الدول تحدد عقيدة بعينها لشغل بعض المناصب، إلا أنه يظل شرطاً إستثنائياً في دول لا تشكل القاعدة،&&مما يؤكد أن الجنسية التي تمنحك حق "المواطنة" تظل هي الأهم، ليس هذا فحسب بل إن المسيحي والمسلم واليهودي يحاربون جنباً إلى جنب من أجل نصرة وطن بعينه يحملون جميعاً جنسيته، فالجندي الأميركي المسلم لم يتردد لحظة في حمل السلاح وغزو العراق أو أفغانستان وغيرهما من البلاد "المسلمة" دون أن يفكر في الجانب العقائدي.

وفي الحالة الخليجية على سبيل المثال، هناك من يعتنقون المذهب الشيعي في السعودية والإمارات والبحرين والكويت، ولكنهم يقفون مع دولهم ضد النفوذ الإيراني، وفي حال إندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين وهو سيناريو لا يتمنى أحداً حدوثه، فإن الشيعي السعودي والإماراتي سوف يدافعون حتماً عن الوطن وليس المذهب، ولا يمكن تخيل سيناريو آخر ولو للحظة واحدة.

"الدين لله والوطن للجميع" شعار لم يكن يثير غضباً أو حتى استهجاناً في المنطقة العربية منذ أكثر من قرن ونصف القرن، فقد أكد سمير قصير في كتاب "تاريخ بيروت"&أن صحيفة "نفير سورية"&التي أصدرها بطرس البستاني رائد الوطنية العربية السورية عام 1860 كان شعارها "الدين لله والوطن للجميع"

كما أن الزعيم المصري الراحل سعد زغلول قالها عام 1919 بهدف توحيد الشعب المصري بكافة طوائفه ضد الإحتلال الإنجليزي، بل إن الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي قالها في حضرة شيخ الأزهر، مفتي الديار المصرية في بدايات القرن الماضي خلال حفل خيري في القاهرة، ولم تتسبب كلماته في غضب المرجعيات الدينية، وقد كان الرافعي على درجة كبيرة في التدين والوعي والوطنية في الوقت ذاته.

خلاصة&القول&إن الوطن يجمعنا، والدين الذي يحركه الفكر المتعصب قد يكون سبباً لفرقتنا وتناحرنا، فالوطن هو الهوية والعمل والأسرة والحاضر والمسقبل، في حين يظل الدين اختياراً روحانياً وراثياً على الأرجح، وكما يقولون فإنك لا تملك أي فرصة لتغيير عرقيتك التي تنحدر منها، ومن الصعب تغيير جنسيتك في ظل قوانين عالمية معقدة وحركة تنقل وهجرة أكثر تعقيداً تجتاح العالم، ولكن يظل اختيار العقيدة أمراً متاحاً لك في أي مكان و زمان وفقاً لقوانين ودساتير غالبية دول العالم.

صحفي مصري