يعتبر&الشرق الاوسط&في الوقت الحالي&من أكثر المناطق الملتهبة&في العالم،&التي تعاني مرارة الحروب&الأهلية&وسفك الدماء المتواصلة على امتداد سنوات طويلة،&والعالم العربي هو محط أنظار مختلف&الدول الكبرى&والامبريالية والصهيونية ذات الاطماع التوسعية التي تسعى الى بسط سيطرتها ونفوذها وهيمنتها على كامل المنطقة العربية،&وتطويع جميع الانظمة العربية تحت لوائها ومظلتها سعيا&منها&للسيطرة على الثروات والموارد الطبيعية كآبار النفط والغاز وغير ذلك.&ولتحقيق أهدافها فان&هذه&القوى الأجنبية وعلى رأسها&الولايات المتحدة واسرائيلتحاولان&جاهدتان&تحويل المنطقة&بأكملها&الى قاعدة عسكرية، والزج&بدولها&في حروب اهلية طاحنة&على أسس طائفية وإثنية،وصراعات&إقليمية،&والتنكر لطموحات شعوبها بالتحرر والاستقلال،&ومنع تأسيس مجتمعات مدنية حضارية وديمقراطية عربية .

تسببت مجموعة من الانتكاسات في أواخر الستينات&من القرن الماضي،&لا سيما هزيمة&العام 1967م&على يد إسرائيل في تقويض&مبادرة&الوحدة العربية على نحو كان من الصعب تجاوز آثارها، ولفترة قصيرة بدت الرؤية العربية وكأنها قد استعادت&جزءا من&عافيتها مع الأداء البارز عسكريا ودبلوماسيا في حرب أكتوبر&1973م. بعد ذلك بقليل، اندلعت&الحرب الأهلية في لبنان عام&1975م&وقام السادات بمبادرته&الفردية تجاه&الصلح مع&إسرائيل، وسار العراق على طريق الحرب مع النظام الإسلامي الجديد في إيران&من سبتمبر 1980م حتى أغسطس 1988م.&هذه الأحداث وأحداث&اخرى&تبعتها لاحقا،&اكثرها خطورة وضررا&على العالم العربي&كان&الغزو العراقي&للكويت في&الثاني من شهر أغسطس&العام 1990م،&أدت إلى تقسيم العالم العربي أكثر مما كان عليه الحال قبل ذلك، وبدت الجامعة العربية عاجزة عن مواجهة هذه الانقسامات.&وفي&العشرين من شهر مارس عام 2003م&تم&غزو&العراق&واسقاط نظام "صدام"&من قبل الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا.&وما زال&العالم العربي يلعق جراحهمنذ انتفاضات الربيع العربي أواخر العام 2010م وحتى يومنا هذا.

ما يميز الحالة العربية الراهنة، بعد انتكاسات&الربيع العربي،&هو تعمق الأزمات&السياسية&الداخلية وازدياد الفقر&وارتفاع نسبة البطالة&والفساد السياسي والمالي في المجتمعات العربية،&فضلا عن سيطرة الفكر الاصولي الذي ادى الى موجات الارهاب والقتل والدمار.&ان الاضطرابات والفوضى&والحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن&ما زالت بعيدة عن نهايتها،&وما زال الغموض يكتنف الوضع المستقبلي في الشرق&الأوسط،&ولا يمكن التكهن بمعرفة&الى أين تتجه التحولات العنيفة الصعبة في المنطقة ؟ وكيف ستؤثر على البيئة الجيوسياسية.&وهل&سيتغير التوازن بين مصالح القوى الكبرى&والدول&الغنية بالنفط والموارد الطبيعية&في المنطقة؟&

على الرغم من قتامة الصورة في الوقت الحالي، إلا&أن التغيرات الديموغرافية&والسياسية&والاقتصادية&والاجتماعية&في هذه المنطقة قادمة لا محالة،&فهل للحكومات العربية رؤية واضحة للمستقبل؟ وكيف ستضمن سلامة وأمن أراضيها وتوفير بيئة سليمة وآمنة،&والقضاء على الإرهاب والعجز&العلمي والمعرفي وتجفيف منابع التراجع الحضاري،&وتمكين الشعوب العربية&منلعب دور محوري في المنظومة العالمية الجديدة؟&ولن يكون للتغيير مستقبل والمرأة العربية تقبع على هامش الحراك السياسي&والاقتصادي&والاجتماعي، بينما تلاحقها في بعض الأقطار العربية قوى التعصب والردة والانغلاق.&كما&تشير تقارير&"التنمية الإنسانية العربية"&إلى أن&نسبة الأمية بين النساء في&المنطقة العربية&تعتبر&من أعلى&النسب&في العالم، وإلى أن مشاركتهن في الحياة السياسية&والاقتصادية ضعيفة&حتى&عند مقارنتها بالدول النامية.&كما&تعاني المرأة العربية من التمييز في&فرص التعليم والعمل، وتتعرض للعنف بأشكال شتى، تصل إلى الضرب والايذاء الجسدي والقتل&في بعض الحالات.&وعليه،&كيف يكون للعرب مكان في هذا العصر في ظل هذا الخلل الجسيم في بنية مجتمعاتهم؟

من هنا&يمكن القول،&إن مستقبل التغيير في عالمنا العربي رهن بالتصدي لكل تلك الإشكاليات&الآيديولوجية والسياسية والاقتصادية&والثقافية&والاجتماعية،&والانطلاق في ذلك من رؤية&إنسانية&ليبرالية تقدم حقوق الإنسان على أساس المساواة المدنية والوطنية، وتؤكد الفصل بين السياسي والديني،&وانتظام الدولة في السياق المؤسسي الحداثي، حيث&تواجه الفساد&السياسي والمالي والأخلاقي،&وتعيد النظر في واقع المرأة العربية وتخلفها التاريخي، لتذهب في اتجاه تنمية شاملة&عادلة&تنزع فتيل الفتن والحروب الأهلية.&من هذه المقدمات الأساسية في رأينا يبدأ التغيير الجذري في المجتمعات العربية. إننا الآن أمام تحديات تاريخية سيتقرر على أساسها مستقبلنا كأمة وكحضارة.

إن المسؤولية تقع على الكل وليس&على&فرد بعينه أو حكومة بعينها، وعلينا&جميعا&تولي زمام المبادرة في الضغط من أجل&إحداث التغيير&العلمي والمعرفي&والثقافي،&والانفتاح على العالم بثقة،&ورفع الحظر عن العقل العربي النقدي،&ووضع المزيد من الثقة في أن الشعوب العربية قادرة&على&النهوض والخروج من&هذا المأزق الحضاري.