&
وأنا في استراحة أتابع على اليوتيوب، برنامج المسابقة الغنائية، "الفويس كدز"، والذي يوحد أطفال العرب في مسابقة غنائية جميلة، وهم من كل دين وطائفة وعرق ودولة، من شرق وطننا العربي الكبير إلى غربة، وبرعاية ثلاثة من خيرة نجوم الفن الغنائي، وهم كاظم الساهر ونانسي عجرم وتامر حسني، ليرفعك هذا البرنامج إلى حلم وحدة العرب، حلم تجد فيه أطفال وطننا العربي في أعلى درجة من رقي الكفاءة والأداء الفني الغنائي والموسيقي، وبشخصياتهم المتمكنة الجميلة، وبوطنيتهم، وبفكرهم العولمي العلمي المتقدم، ليرسموا بمختلف أطيافهم واعراقهم واديانهم ومذاهبهم وطوائفهم، أحلى صورة فنية لمستقبل وطننا العربي الكبير.&
لنستمع، مثلا، لكلمات الأغنية التي غنتها طفلتين عربيتين مع مدربها القيصر كاظم الساهر في نهاية الحلقة والتي تقول: "آه آه آه آه،& تذكر، تذكر، كلما صليت ليلا، ملايينا تلوك الصخر خبزا. على جسر الجراح مشت، وتمشي، وتلبس جلدها، وتموت عزا. تذكر، قبل ان تغبو على أي وسادة، أينام الليل من ذبحوا بلاده؟ أنا ان مت ... انما موتي ولادة. تذكر، تذكر، آه آه آه آه، قلبي على جرح الملائكة النورس. إني اراهم عائدين من المدارس، باست جبينهم المآذن والكنائس، كتبوا لكم هذا النداء، وطني جريح خلف قضبان الحصار، في كل يوم يسقط العشرات من أطفالنا، إلى متى؟ إلى متى؟ إلى متى؟ هذا التباطؤ، جفت ضمائرهم ما هزهم هذا النداء، رقت له حتى ملائكة السماء، جفت ضمائرهم، وما جفت دموع الأبرياء."
وأنا في حلمي الحزين أتساءل ما الذي أدى ملاينا من شعبنا تلوك الصخر خبزا، وإذا برسالة على "الواتس اب" من صديق توقظني، وبها مقال لسعادة الدكتور على فخرو، يقول فيه: "فالذين يُنزلون مسؤولية مواجهة الخطر الوجودي من رأس قائمة الأولويات إلى ذيلها، ويقومون بخطوات متسارعة نحو التطبيع مع اليهود، من دون أخذ موافقة صريحة وشرعية من قبل الشعوب ... يجب أن يعرفوا أن خيانة الأمانة سيكون لها ثمن باهظ... والذين يغمغمون ببضعة تعابير مستهلكة خجولة مخادعة، في وجه قرار ... تتخذه الولايات المتحدة بشأن ثابت تاريخي - ديني - قومي - شعبي، كموضوع مدينة القدس، هم أناس لا يؤتمنون على المحافظة على استقلال وحرية وكرامة الأوطان... يستطيع هؤلاء وأولئك أن يلبسوا لباس التقدمية... ولكن ذلك لن يساوي شيئاً أمام التفريط في الالتزامات القومية العربية والإسلامية... وباحتقار قيم العدالة والإنصاف تجاه شعب عربي منهك... كالشعب العربي الفلسطيني. ولن يستطيع الصراع البليد المفتعل الطائفي بين هذا المذهب الإسلامي، أو ذاك، الادعاء بأن هذا الموضوع التاريخي العقيم الذي مات كل أصحابه وناشريه، أن يكون أهم من مواجهة الطمع والخطر اليهودي الهائل في الحاضر، أو أهم من التدخُلات والابتزازات الاستعمارية ... التي لا تنقطع ... لا نصدق أن التفاهم الندي غير ممكن، وأن الحلول المتوازنة العاقلة المهتمة بمستقبل الإسلام والمسلمين أصبحت مستحيلة وعصية على حكومات العرب والمسلمين. فهل يراد لنا أن نصل إلى الاستنتاج المفجع التالي: وهو أن الطبيعة والثقافة السياسية العربية والإسلامية قد وصلت إلى حدود التقيُح الأخلاقي...هنا أيضاً يجب وضع المخرز في عين مؤسسات المجتمعات المدنية في طول وعرض وطن العرب وأوطان الإسلام. إن بقاءكم عاجزين، ومتفرجين، وغير قادرين على تخطي خلافاتكم الفكرية والإيديولوجية والدينية، قد أصبح فضيحة يندى لها الجبين، ويستهزئ بها العالم كله. فأحزابكم السياسية وجمعياتكم المهنية والحقوقية والمدنية وأصواتكم الخافتة المتصارعة تظهر أنكم غير قادرين على إدراك الأخطار الجسيمة التي تواجهها شعوبكم، ولا الالتزام بواجبات المواطنة المسؤولة الحرة...هذا قدر غير مقبول، لا بمقاييس الأرض، ولا بمقاييس السماء."
مع احترامي لأستاذي الوزير أتساءل الم يتكرر نفس هذا الخطاب خلال المائة سنة الماضية؟ وما كانت نتائجه؟& ألم يترافق بزيادة الأفكار المتطرفة، وحروب انفعالية متكررة خاسرة وغير مدروسة، والتي انتهت بنا للوضع الذي تعيشه الكثير من دولنا العربية اليوم وعلى رأسها سوريا والعراق وليبيا واليمن. ولنراجع ما قاله نوبواكي نوتوهارا، عن ضرورة دراسة تاريخنا وإصلاح اخطائه كما فعل اليابانيون بعد الحرب، وطبعا ليس لدينا الجرأة أن نقوم بهذه المراجعة، فلنراجع على الأقل الأسئلة الكثيرة التي يطرحها من نعتبرهم "أعدائنا"، فقد نستفيق من حلم خطاباتنا الانفعالية الرنانة والمتكررة: هل يجوز استخدام كلمة اليهود في هذا المقال؟ هل يجوز الازدراء من أية ديانة أو عقيدة إنسانية؟ وهل يجوز، لصق ما يقوم به بعض الأفراد المتطرفين من أخطاء، في عقيدتهم وديانتهم؟ فهل سنقبل بالهجوم على الإسلام، لما قامت به داعش من قبائح الافعال، وما يقوم به السرطان الثيوقراطي من جرائم في حق الشعب الإيراني الجار؟ أليس اليهود ضحية من ضحايا اللعبة الاستعمارية؟ ألم يعاني اليهود من التفرقة المخجلة في أوروبا؟ ألم يحرق المجرم هتلر اليهود الأوروبيين في افران حرق إلكترونية؟ ألم يحاول اليهود الهروب من ظلم الغرب، بالطلب من الإمبراطورية البريطانية، لأرض بل شعب لشعب بلا ارض خالية، في احدى القارات الثلاث افريقيا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا؟ الم يرسل الطبيب الفرنسي اليهودي روزن رسالة إلى بلفور في شهر أغسطس من عام 1917 يطالب بأرض لليهود في منطقة خالية من السكان، وبعيدة كل البعد عن ارض فلسطين؟ ألم يرفض بلفور هذا الطلب، ويتقدم في رسالته لروث شايلد في نوفمبر من عام 1917، بمشروع إنشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين، مشاركة مع الشعب الفلسطيني؟ ولماذا اختار بلفور فلسطين لليهود؟ هل كان بلفور خائفا على الإمبراطورية البريطانية من رجوع الإمبراطوريات الإسلامية؟ الم تتحول الرسالة المحمدية بعد وفاة الرسول الأعظم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إلى صراع دموي مرير على إمبراطورية امتدت من الهند إلى إسبانيا؟ وهل تعتبر شعوب هذه البلدان المعتدى عليها، هذه الحروب، فتوحات أم غزو وسبي وحرق وسرقة خيرات بلادها؟ هل يمكن أن تأكل الشعوب من شجرة أللا أخلاقيات بحصانة؟ وهل وعد بلفور هو رد إلاهي، غير مباشر، على ما عانته هذه الشعوب مما سموه "بالغزو الامبريالي العربي"؟ ألم تؤدي الحروب الانفعالية الغير مدروسة لفقدان الكثير من باقي ارض فلسطين والقدس؟ وهل أدت هذه الحروب لزيادة التطرف والتخلف والبطالة، مع انخفاض الدخل القومي العربي؟ وهل هي حروب مع اليهود أم هي حروب غير متكافئة مع قوى استعمارية، عظمى بقوة عسكرية مهيبة، وتكنولوجية رهيبة، واقتصاديات ضخمة، بينما تستغل إسرائيل كقاعدة عسكرية تجريبية لتكنولوجياتها العسكرية؟ وهل يجوز أن تدخل فئة ضعيفة في حروب انتحارية فاشلة غير مدروسة، والهزيمة فيها مؤكدة؟ فهل من العقل أن نكرر نفس التجربة الخاطئة مرة تلو المرة وننتظر نتائج مخالفة؟&
& كما أن هناك أسئلة مزعجة أخرى من "أعدائنا": هل نعلم بأن إسرائيل بلدة صغيرة جدا، فمساحتها لا تزيد عن ثمانية آلاف ميل مربع؟ هل نعرف بان سكان إسرائيل لا يزيدون عن ثمانية مليون، وربعهم عرب؟ وهل نعلم بان يهود العالم لا يزيد عن خمسة عشر مليون، 83% يعيشون في إسرائيل وأمريكا؟ هل نعلم بأن الدعم الرئيسي لسياسات التطرف الإسرائيلية هي من بعض سياسيو الولايات المتحدة، وخوفا من اللوبي الصهيوني؟ وهل نعلم بان القوة الأمريكية الضاربة ستختفي مع قبول عام 2050؟ هل نعلم بان الاقتصاد الامريكي سيمثل اقل من 5% من الاقتصاد العالمي مع قبول منتصف القرن الحالي، بينما سيمثل الاقتصاد الاسيوي 50% منه، و15% منه للصين و10% منه للهند؟ وما تأثير هذه التغيرات العالمية على وضع بلدة صغيرة، وهي نقطة في قلب وطننا العربي الكبير، والتي تزيد مساحته عن خمسة ملايين ميل مربع، وسيزيد عدد سكانه إلى أكثر من نصف مليار، كما ان نتاجها المحلي الإجمالي يزيد عن ثلاثة تريليون دولار، واستثماراتها الأجنبية تزيد عن التريليونين من الدولارات؟ وهل فعلا ستكون هذه الدويلة الصغيرة خطرا "وجودي" على العالم العربي والاسلامي الذي يزيد عدده عن مليار والثلث؟ أم خطرنا ذاتي، يحتاج لنقذ ذاتي ودراسة تاريخية متأنية وعميقة؟ وهل نستطيع ان نستفيد من العقلانية اليابانية لتحقيق ذلك؟
فلنراجع قضيتين في التاريخ الياباني، الأولى هي رياح الآلهة والثانية هي قضية الجزر الشمالية. اعتبر اليابانيون منذ القدم بأن طوفانات اليابان هي "رياح الآلهة". وقد تساءل أحد أستاذة علم التاريخ بجامعة طوكيو عن حقيقة هذه العبارة في التاريخ الياباني، فوجد بأنها ترجع للقرن الثالث عشر، حينما حاول حفيد جنكيزخان، كابولاي خان، أن يغزو اليابان، بعد أن أعد أسطولا ضخما تحرك من الصين إلى الشواطئ اليابانية. وقد واجه السموراي العدو ببسالة، حتى اقبل ظلام الليل ليرجع الجنود الغازية إلى سفنهم. وحينما استيقظ اليابانيون في الصباح الباكر لم يجدوا أثرا لسفن العدو، واعتقدوا بأن رياح الآلهة قد دمرت سفنهم. وقد قام البروفيسور بإعداد فريق بحثي لدراسة حقيقة هذه القصة، فتوجهت سفينته نحو منطقة بحرية قريبة من الصين، وأخذت بالبحث عن بقايا سفن المغول والذي يرجع تاريخها لأكثر من سبعة قرون، وقد أكمل سنة في البحث وبدون نتيجة. وفي يوم من الأيام صادف بحار بيده قطعة أثرية مرسوم عليها نقوش صينية، فطلب منه هذه القطعة، وسأله عن المكان الذي وجدها في البحر، فدله على المكان. وبعد ان تأكد البروفيسور بأن هذه القطعة الصينية ترجع للقرن الثالث عشر، أكمل بحثه في تلك المنطقة ليكتشف بقايا سفن في قاع البحر ترجع تاريخها لما قبل سبعمائة سنة، وليؤكد أسطورة رياح الآلهة. فهل لاحظت عزيزي القارئ كيف يدرس اليابانيون حقائق اساطيرهم وتاريخهم، بالعلم لا بالخلافات والخرافات والحروب الطائفية المقيتة؟
&أما القصة الثانية فتتعلق بالجزر الشمالية الذي يعتقد اليابانيون بأنها جزء من ارض اليابان المقدسة.& ففي شمال اليابان تلتقي حدود روسيا والصين واليابان، ومنذ زمن طويل هناك خلاف حول من يملك بعض الجزر في هذه المنطقة، وخاصة جزيرة السكلين، التي تزيد مساحتها عن ثمانية وعشرين ألف ميل مربع، أي مساحة تزيد عن مساحة إسرائيل بثلاث مرات، وجزر الكوريل.& لقد حاول المغول السيطرة على هذه الجزر في عام 1264 وفعلا سيطر كابولاي خان على هذه الجزر من عام 1308 وحتى عام 1368، كما سيطرت عليها الصين في عهد المنج من عام 1368 وحتى عام 1644. وفي عام 1679 أستوطن اليابانيون في جنوب جزيرة ساكلين. وفي اتفاقية عام 1689 بين الصين وروسيا تحددت الحدود بينهما ولكن لم تذكر الجزر الشمالية، ولكن اعتبرت الصين هذ الجزر جزءا من ترابها الوطني من عام 1644 وحتى عام 1912. واستمرت اليابان المطالبة بهذه الجزر لعدم وجود الجيش الصيني فيها، بل أعلنت بان جزيرة سكلين يابانية في عام 1807، فسيطرت عليها، كما سيطرت على جزر الكوريل في عام 1845 لمواجهة مطالبة روسيا بها.& وفي عام 1855 اتفقت اليابان وروسيا بان مواطني البلدين يمكنهم الاستيطان في جزيرة ساكلين، كما أرغمت روسيا الصين خلال حروب الأفيون بان تتنازل عن حقها في هذه الجزر. وفي عام 1857 أسست روسيا لها مستوطنة في الجزيرة واستمرت حتى عام 1890، كما طالبت اليابان بحقها في الجزيرة في عام 1865، لتبقى الجزيرة تحت سيطرة روسية يابانية مشتركة، حتى عام 1875 حيث قبلت اليابان بحق روسيا في هذه الجزيرة، على ان تبقى جزر الكوريل يابانية. وفي نهاية الحرب الروسية اليابانية اتفق الطرفان في عام 1905 على الشراكة لجزيرة سكلين، ولكن سيطرت اليابان على هذه الجزيرة في عام 1920، لتعيدها لروسيا في عام 1925. وفي عام 1945، مع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، دخل الجيش الروسي هذه الجزر وبقي فيها حتى اليوم، ولكن استمرت اليابان بالمطالبة بأربع جزر من جزر الكوريل، على انها جزءا من ارض اليابان المقدسة. ولكن تجنبت اليابان الحروب المتكررة في هذا الموضوع، بل جمدت هذه المعضلة بعد الحرب، وتفرغت لبناء مدنها وتطوير تعليمها وتقدم تكنولوجيتها وتنمية اقتصادها، وبعد أن أكملت خططها التنموية بدأت تتحاور، تتحاور لا تحارب روسيا، لمحاولة إرجاع الجزر الأربع، ساعة بالحوار الدبلوماسي، وتارة بإغراء الدعم المالي، وتارة أخرى بالتعاون الروسي الياباني، لتطوير هذه المناطق النائية. فهل سيستفيد العرب من العقلانية اليابانية في تجميد المعضلات أحيانا لا محاولة حلها إلى الأسوأ؟ ولنا لقاء.
&
&
د. خليل حسن، كاتب بحريني
&