قبل نحو عام عدت إلى عملي بهيئة&إعلامية&كبرى،&تضم عشرات&آلاف العاملين بعد رحلة عمل لتحو عقدين في عواصم عربية وعالمية، وبينما كنت منهمكا في كتابة حلقة من برنامج كلفت به ،&إذ بشخص يقترب مني قدم نفسه&باسم الحج مجدي ،&ثم&دعانى لأداء صلاة الظهر جماعة فاعتذرت حتى أنتهى من&الحلقة،&ثم أؤدى الصلاة ، دخل معي في نقاش كاد يتحول&إلى مشاجرة&، لأنه&كان مصرا على اصطحابي لاداء صلاة الجماعة ، وأنا مصر على الفراغ مما في يدي قبل أن الحق به للصلاة .&
تبين بعد ذلك أن ما فعله الحج مجدي&معي شائع&بين كل العاملين فى الهيئة،&تدين&على أشده&بين العاملين&.&شباب بلحى ومن غير لحى ، موظفات&محجبات،&قبل الأذان بنصف ساعة&لا تجد موظفا على مكتبه، الكل يبدل الحذاء بالشبشب ويذهب للوضوء&،&بعضهم يشرع في فرش السجاد والحصر&فى الطرقات،&والبعض الأخر يذهب للمصلى لأداء صلاة الجماعة،&بعدها تجد&بعض&الزميلات&يحملن أغطية الرأس،&وملابس المحجباب للعرض على من ترغب في الشراء،&ويتسابق بعضهن في&معرفة مواعيد&الدروس الدينية&في مسجد فلان أوعلان،&والاشتراك في&رحلات الحج&والعمرة التى تنظمها الهيئة كل عام.

ليس هذا محل اعتراض،&ما أجمل أن يكون الإنسان&متمسكا بالدين&إلا انني&سرعان ما اكتشفت أن&هؤلاء الموظفين&يسيئون&معاملة&زملائهم، يكذبون،&وينافقون،&ويدبرون المكائد والشكاوى في بعضهم البعض ،مديروهم&يظلمون&مرؤوسيهم،&ويستغلون مناصبهم في التربح والرشوة&،&ونهب المال العام، حتى أن الحج مجدي&زعيم المتدينين تبين أنه يستغل مرؤسيه في تحقيق منافع شخصية ، ويجامل بعضهم على حساب البعض الآخر.

إن ما&يحدث فى&هذه المؤسسة&يحدث الآن فى&كل المؤسسات&والشركات&في مصر والعالم العربي،&&مظاهر التدين فى كل مكان،&والأصدقاء على السوشيال ميديا يرسلون لك يوميا&آلاف&الأدعية،&والآيات،&ويذكرونك بصيام يوم&عرفة،&والاثنين والخميس،&والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام،&وعمرة رمضان&ورجب وشعبان ،&ويطلبون منك ارسال الرسالة لعشرة من&أصحابك حتى تأخذ الأجر،&كل هذه المظاهر دفعت معهد&غالوب الأمريكىالمتخصص في دراسات الرأي العام&،&إلى وصف شعوب&العالم العربي&بأنها من&أكثر الشعوب تديناً&،&وفى الوقتنفسه&، تحتل مراتب&متقدمة فى الفساد والرشوة والتحرش والغش والنصب والتزوير.

السؤال هنا كيف يمكن أن نكون الاكثر تدينا وفي نفس الوقت الاكثر انحرافا؟

في إبريل 2019 اسقط الشعب السوداني&الإخواني&عمر البشير الذي وصل إلى السلطة بانقلاب على حكومة الصادق المهدي1989، قبل سقوطه حاول البشير&حشد مؤيدية لاستمالة السودانيين بخطب فيها&بآيات من القرأن الكريم،&ويصور نفسه أنه يحمي ديار الإسلام،بعد سقوطه&تظهر سواءات البشير ، لص كبير يلعب بالدين ويتحالف مع الإخوان ، عثرت السلطات على&ملايين الدولارات واليور ومليارات من الجنيه السوداني&مخبأة&في قصوره ،&أجود أنواع الخمور&في بارات قصره ، سرق ونهب أموال ومقدرات شعبه ليصرفها على ملذاته وشهواته يرقص بالعصا ويخدع شعبه لكن ربك بالمرصاد ها هو يقبع في سجنه لا أغنت عنه أمواله، ولا نفعه سلطانه. &&&

فى&النصف الثاني من القرن السابع عشر وتحديدا&عام 1664،&عرضت مسرحية&(تارتوف) &ذائعة الصيت للكاتب المسرحي الكبير&"موليير"&صور فيها باقتدار&شخصية رجل دين فاسد&أسمه&تارتوف،&هذا الرجل كل همه اشباع&شهواته&وملذاته ، يظهر أمام الناس بصورة الرجل الورع التقي،&الكنيسة الكاثوليكية&ثارت&لأنه يمس رجال الدين،&توعدت الكاتب،&ومنعت المسرحية من العرض خمسة أعوام كاملة.. وبرغم&ذلك&تحولت مسرحية&(تارتوف)&إلى&أيقونة&من كلاسيكيات المسرح&الفرنسي ورمز لرجل الدين المنافق..
نحن لدينا في مجتمعاتنا الملايين من تارتوف ،&شعوبنا متدينة شكلا لا مضمونا ، متدينون لكننا منحرفون ، متدينون لكن نفعل الخطأ دون تأنيب الضمير، متدينون بلا أخلاق ، هذا في الغالب لكن لا ينبغي التعميم فكثير من المتدينين&لديهم أخلاق يراقبون&ضمائرهم فى كل&صغيرة&وكبيرة ويوقنون بأن الله رقيب على أفعالهم .
نعيش حالة انفصام في الشخصية "شيزوفرينيا ، ملايين الموظفين الذين صاموا رمضان يرتشون ، الاف الشباب الذيت يتحرشون بالسيدات في الشواراع يصلون ،&آلاف الأطباء الذين يسيئون معاملة المرضى يحجون ،&آلاف البشر الذين يشهدون الزور موحدون ، الاف الطلبة الذين&يمارسون الغش الجماعى&يصلون ويصومون&، معظم هؤلاء حريصون على أداء الفرائض
ومجتمعاتنا الآن تعاني&من انفصال العقيدة عن السلوك،&مجتمعاتنا&انفصل فيها&التدين عن الأخلاق&، تدين يصاحبه كذب وغش ونفاق ، صار&أداء الفرائض حركات إذا أداها الإنسان صار متدينا ، الدين هو الاخلاق&،&والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث " أقربكم مجلسا مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" الأخلاق أسأس الدين ، والدين سلوك وعمل قبل أن يكون عبادة&،&ولعلكم تعرفون حكاية الرجل الناسك العابد حين سأله الرسول صلى الله عليه وسلم من ينفق عليك؟ قال : أخي يعمل وينفق علي. قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أخوك أعبد منك&"
إن سبب تردي الأوضاع في عالمنا العربي هو الفهم القاصر للدين،&وقصر الدين على الجلباب واللحية،والملصقات الداعية للحجاب،&وحضور الندوات والدروس الدينية ، اذا اتجهنا الى طريق أخر وهو الدعوة الى الاخلاق،&والمعاملة الطيبة،&ورفض الظلم والعدوان&،&والدفاع عن حقوق الضعقاء،&ربما تبدلت&أحولنا إلى الأفضل، أعرف سيدة محجبة تتسابق لحضور الدروس الدينية ولا تسلم بيدها على الرجال، لديها&من الأبناء أربع&بنات ، توفي زوجها،&وترك ارثا،&وله أخ فقير&هذه السيدة&تماطل في اعطائه &الإرث&رغم فقره وشدة احتياجه إليه، تدين شكلي بلا أخلاق،&ولا ضمير،&إن انتشال مجتمعاتنا من الرذيلة لا يتحقق&إلا بطريقين الطريق الأول:&تدين حقيقي مقترنا بالأخلاق ، والثاني:&أخلاق فقط ولو&لم ترتكز على الدين.

عام 2007 حاول الراحل معمر القذاقي تجميل صورة نظامه أمام العالم،&ونظم جائزة عالمبة بمليون دولار باسم&(جائزة القذافي لحقوق الانسان)&تمنح للبارزين&من الكتاب والسياسيين وغيرهم&وقررت&اللجنة&منح الجائزة في عامها الاول للكاتب الإسباني خوان جويتيسولو ، المفاجأة أن الكاتب أرسل رسالة شكر لاعضاء اللجنة على اختياره،&واعتذار عن عدم تسلم الجائزة لأنه&اخلاقيا لا يرغب في أن يمنح جائزة من نظام ينكل بمعارضيه،&ويدعم أنظمة قمعية،&ويمارس الارهاب في العالم.

هذا الكاتب الذي لديه ضمير أم&آلاف&المنتفعين&الذين يعملون خدما&لدى أشخاص أو أنطمة من أجل حفنة من الأموال دون النظر لما&يفعله هؤلاء الأشخاص أو ما&ترتكبه هذه الأنطمة بحق شعوبها ، التدين الحقيقي هو المقترن بالأخلاق&، والأخلاق بلا تدين أقضل من التدين بلا أخلاق فالتدين&بلا اخلاق بؤذي البشرية جمعاء.