سنة ذهبت وسنة جاءت، كما في كل سنة تذهب وكل سنة تجيء على مر الدهور في دورة الطبيعة والحياة والزمان. وعلى الرغم من أن الماضيات من السنين تركت إرثاً من العنف والفوضى والفقر والبؤس، فإنه من المجدي أن نتمسك بالأمل &ونؤمن بالمستقبل.

في عام 1953 وجَّه المتموِّل الأميركي برنارد باروخ نداءً بالراديو أعلن فيه أنه لا يجوز لنا أن نتخلَّى عن الأمل، لنظل نؤمن بالإمكانية الكامنة في الجنس البشري، وهذه كلمات منعشة وملهمة يتوجب تذكُّرها على الرغم من هدير الحرب، ومن مآسي العنف، وذلِّ الفقر. فقد قال باروخ في ذلك النداء:

«مع أن إيماني بالمستقبل قد أصابه شيءٌ من الاهتزاز، لكنه لم يتحطم. فما زلت أؤمن به. وإذا دبَّ في النفس شكٌّ أحياناً بأن الإنسان لن يحقق قدراته الكامنة، فإنه لم يداخلني أي شك قط بأنه قادر على ذلك. إنني أؤمن بأن تلك القدرات الكامنة تعد جميع الناس بقسط وافر لا يستهان به من الفرح والراحة في الحياة، روحياً ومادياً. هي قطعاً ليست طوباوية، فأنا لا أؤمن بالطوباويات. إن الإنسان يستطيع أن يحقق أي شيء ما عدا بلوغ الكمال.

«إن الفردوس ليس من هذا العالم. ليس بمقدور جميع الناس أن يكونوا سادة، لكنه لا يجوز أن يكون أيٌّ منهم عبداً. &إننا لا نستطيع أن نطرد الألم من العالم، لكننا نستطيع أن نطرد العذابات التي لا لزوم لها. وطالما بقيت الحياة ستظل المآسي ترافقها، لكننا نستطيع أن نطرد البؤس من حياتنا. فالظلم سوف يظل رافعاً رأسه حتى في أحسن العوالم الممكنة، لكننا نستطيع أن نقهر الطغيان. الشرُّ سوف يبقى مقتحماً قلوب بعض الناس، والتعصُّب سوف يبقى جارفاً عقول بعض الرجال، لكن اللياقة المولِّدة للاحترام تبقى هي السمة الإنسانية الأعم، وبالإمكان جعلها تسود في حياتنا اليومية.

«إنني أؤمن بكل هذا لأنني أؤمن بالعقل والمنطق قبل أي شيء آخر. أؤمن بقدرة العقل البشري على مواجهة مشكلات الحياة والتغلب عليها. ذلك أنه كان بالإمكان اجتناب أي مصيبة أو كارثة حلَّت بالإنسان، سواء كانت من صنع يده، أو بفعل عوامل طبيعية أقوى منه، أو على الأقل التخفيف من نتائجها بقدر من التفكير. فلا شيء أنزل بالإنسانية من الأحزان مثل التخلي عن العقل والمنطق. وما خبرته من إخفاقات، وما ارتكبت من أخطاء، وما شهدته من حماقات في حياتي الخاصة والعامة، إلاَّ وكان نتيجة تصرفات بغير تعقُّل أو تفكير.

«ولأنني أثق بالعقل والمنطق، فإنني أردُّه الى الإنسان الفرد. ذلك أن الجموع والحشود يحكمها الجنون الذي يصيب أيضاً حتى الناس الحكماء المحتشدين في تلك الجموع. إذ إن من سمات الكتل البشرية المحتشدة الغباء والقسوة، لا الحكمة ولا الرحمة.

«لقد أصابني الإخفاق وأصابتني الخيبة، كغيري، وكغيري تملَّكني اليأس. وفي كل مرة انتابني اليأس كان ينعش نفسي التفكير بالغد. فقد كنت طيلة حياتي أتطلَّع الى المستقبل. وما زلت. إنني ما زلت أعتقد بأنه من الممكن صنع مستقبل مشرق ملؤه الإنجاز وتحقق الأحلام بفعل الشجاعة والذكاء». & &&
&

هذا المقال تنشره " ايلاف" بالاتفاق مع تقرير " الديبلوماسي" الذي يصدره من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله&