هاتفني أحد أقاربي من تونس في الآونة الأخيرة، ليهنئني بعيد الفطر المبارك، وبعد القليل من الدردشة الودية، أخبرني أنه تلقى رسالة من شخص مجهول على بريده الإلكتروني، يعده فيها بتحويل ملايين الدولارات إلى حسابه المصرفي، إن هو أرسل له بعض بياناته الشخصية؛ مثل عنوان منزله ونسخة من بطاقة هويته واسم البلد الذي يقيم فيه.

بدا صوت قريبي منتشياً جداً من الفرحة، وهو يخبرني بقصة الثروة الطائلة التي ستنزل عليه من السماء، وامتد خياله الخصب إلى ما هو أكبر من مجرد طموح مجنح، يحمله أي شاب في مقبل العمر، بل وصل به الأمر إلى حد الغرق في بحر الوهم، وتخيل حياته الباذخة وسياراته الفارهة وخدمه وحشمه، وبالغ في خداع نفسه، ونسي أن رسائل "سبام" الخادعة أشبه بخرافة مصباح علاء الدين السحري، ولا يمكن أن تتحقق حتى في الأحلام، فلا أحد يستطيع جني ثروة من الهواء، كما تقول العبارة الشهيرة.

حاولت أن أزيل غشاوة الوهم عن عيني قريبي، وأعيد تفكيره إلى أرض الواقع، عبر تذكيره بأساليب الخداع الافتراضية، وعمليات النصب والابتزاز الإلكتروني، التي يستخدمها المحتالون لاستدراج الناس، ودفعهم إلى إرسال بياناتهم الشخصية وكلمات المرور إلى حساباتهم المصرفية، غير أنه بدا أكثر اتقاناً لأسلوب الخداع النفسي، عندما لجأ إلى حيل دفاعية عن وهم الثراء السريع، والأسوأ من ذلك أن تفادى الاستماع إلى نصائحي، ومن المؤكد أنه سيتجشم الكثير من العناء جراء تشبثه بثروة "سبام" الكاذبة.

لعل الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، محق في قوله "يا لقوة الوهم! الناس سريعو التأثر لدرجة أنهم قد يلقون حتفهم من مجرد خيال".

إقرأ أيضاً: رجل أمن أم خبير عيون!

على أيّ حال، ليس من الغريب أو العيب، أن نضع أهدافاً لنا في الحياة وأن تكون لنا طموحات براقة، ونحاول تحقيقها على أرض الواقع، فمعظمنا يريد أن يحرز المزيد من التقدم في حياته المهنية، ويجني الكثير من الأموال، ويكون سعيداً في حياته الأسرية، وبصحة جيدة. لكن كل هذا يحتاج وضع خطط واستراتيجيات واقعية، تتسق مع أهدافنا في الحياة، بدلاً من الاكتفاء بالانغماس في الأوهام.

بالنسبة إلى البعض منا، لا تعد رسائل "سبام" مجرد إيميلات مزعجة مصيرها سلة المهملات، حتى ان الأشخاص المتعلمين والمثقفين قد يختبرون اندفاعاً كبيراً نحو إرسال بياناتهم الشخصية. ولذلك السبب، فالشخص العادي يجد أيضاً تحدياً حقيقياً في ممارسة ضبط النفس أمام أصفار الملايين التي يعده بها المحتالون.

إقرأ أيضاً: "تكفين" الحليب في تونس

كثيرون يستخدمون موازنة غير واعية للنتائج عندما يتعلق الأمر بإغراءات الثروات المفاجئة، وفي عصرنا الحالي يعاني معظم الناس للأسف، عدم الاستقرار المالي، ولذلك من السهل العزف على ذلك الوتر الإنساني، وإذا فقد البعض انضباطهم، وثباتهم الانفعالي، فإنهم حتماً سيقعون في فخ الأحلام، غير الواقعية، والتي تعبر عنها كلمة واحدة، وهي الطّمع.

في غالبية الحالات، يتغلّب الطمع على الخوف لدى الحالمين بالثراء السريع، فيرسمون في خيالاتهم سيناريوهات وأحلاماً تلامس عنان السماء، دون النظر إلى الواقع المحيط بهم، وهو ما يدفعهم إلى إرسال بياناتهم الشخصية بكل سهولة للمتحيّلين الإلكترونيين، بيد أن هذه الخطوة هي في النهاية مكلفة، ولا يستطيع العدول عنها، إلا من كان ذهنه خالياً من الهموم، ولديه من الأموال ما يكفيه ليضع الطمع جانباً.