عبارة تتكرر دائماً على لسان المسؤوليين الفلسطينيين، وهي تمثل مطلباً شعبياً، وأساساً لأي تسوية سياسية. والسؤال كيف ننهي الاحتلال في ظل السلطة القائمة وما يحكمها من اتفاقات مع إسرائيل، في سابقة سياسية بين سلطة تحت الاحتلال وإسرائيل كسلطة تمارس كل أشكال الاحتلال على الأرض والإنسان معاً، وما هي السيناريوهات أمام السلطة؟

إنهاء الاحتلال له صور كثيرة، أهمها الإعلان الرسمي من قبل سلطة الاحتلال بإنهاء احتلالها وباتفاق مع السلطة المخولة بذلك، ووفقاً لاتفاق مكتوب، وبضمانات عبر اتفاق تفاوضي، وهذه الصورة لم تتحقق حتى الآن، بالرغم من مسيرة تفاوضية تجاوزت العقدين، انتهت بسلطة أقل من سلطة حكم ذاتي، مع استمرار إسرائيل في احتلالها، بل ومصادرته الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية. بل إن اتفاق أوسلو السياسي والأمني يعمق من التبعية ويديم سلطة الاحتلال ويمنحه غطاءً، فهو اتفاق قوة مفروض. في المقابل، فإنَّ الاتفاق الاقتصادي، أو ما يعرف باتفاق باريس، يعمق من التبعية الاقتصادية، ويحرم السلطة من كل سيطرة على مواردها الطبيعية.

هذا السيناريو لم يعد صالحاً لإنهاء الاحتلال، والبديل لذلك هو الإعلان الرسمي لإلغاء الإتفاقيتين، والإعلان الصريح والواضح بقيام مرحلة الدولة الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من إنهاء للسلطة، وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة عبر الانتخابات، ويدعم هذا السيناريو وضع فلسطين وشخصيتها الدولية كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وعضويتها الكاملة في العديد من المنظمات الدولية، وهذا السيناريو يتطلب المضي في العديد من الإجراءات والمبادرات، أولها التسمك بخيار التفاوض والسلام، ولكن مرجعية التفاوض هنا هي الدولة الفلسطينية المستقلة بحدودها المعترف بها دولياً، وبعاصمتها القدس.

ثانياً، يجب التقدم للأمم المتحدة بطلب رفع عضوية فلسطين من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وهذا ليس صعباً، ويمكن التغلب على حق النقض (الفيتو) الذى تتمتع به الولايات المتحدة في مجلس الأمن، لأن الاعتراف بالدول الأعضاء يحتاج موافقة مجلس الأمن بتأييد الدول الخمس الدائمة العضوية. أما كيف يتحقق ذلك فبدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد وفقاً لقرار الاتحاد من أجل السلام، واستناداً إلى أنَّ عدم قيام الدولة الفلسطينية كخيار للسلام يهدد السلام والأمن العالميين، وفي حال الحصول على ثلثي أصوات الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو أمر ممكن تحقيقه بسهولة، يصبح القرار ملزماً. عندها، يمكن التوجه للأمم المتحدة بالعمل على إنهاء الاحتلال عن دولة كاملة العضوية، والمطالبة بتطبيق الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة لإلزام إسرائيل بالإنسحاب.

إقرأ أيضاً: عقيدة بايدن السياسية بين الحقيقة والوهم

هنا المعركة معركة شرعية دولية وتفعيل المسؤولية الدولية لإنهاء الاحتلال، وهذا السيناريو على أهميته وفعاليته لا يكفي، وقد يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاج إلى الصورة أو الآلية الثانية الموازية للأولى، وهى تفعيل المقاومة السلمية الشاملة بكل صورها من مقاطعة كاملة لكل البضائع الإسرائيلية، وممارسة الحق في المقاومة المشروعة بكل وجوهها، حتى العسكرية منها، والتي أقرتها الشرعية الدولية، وهذا السيناريو من شأنه أن يدعم السيناريو الأول ويقويه، ويزيد من ممارسة الدول الضغط على إسرائيل، وقد يكون مكلفاً بشرياً واقتصادياً، ولكنه سيدفع إسرائيل لوضع حد لاحتلالها، لأنَّ إسرائيل بوضعيتها السكانية والجغرافية، وبحكم مكونات القضية الفلسطينية الإقليمية والدولية، سترضخ لمقاومة سلمية فاعلة وقوية على الأرض، وقادرة على أن تغير من موازين القوة، وتخلق ضغوطات داخل إسرائيل نفسها كما رأينا في أحداث الأقصى الأخيرة، والتي حركت سكان الداخل. وبطبيعتها، إسرائيل لا تحتمل مثل هذه المقاومة، بصفتها معتادة على خيار الحرب القصيرة والسريعة التي تقع مجرياتها خارج حدودها. وقد يقول قائل إن هذا من شأنه أن يعيد سلطة الاحتلال، وهذا أيضاً لم تعد تحتمله إسرائيل، ولا يصب في صالحها.

هذه الآليات والسيناريوهات تحتاج إلى تفعيل المتغير الفلسطيني، بإنهاء الإنقسام أولاً، وبوضع رؤية وطنية انتقالية لإنهاء الاحتلال ثانياً، والتسيق بين قرار المقاومة والقرار السياسي، وهذا شرط أساسي، بحيث لا تكون غزة في واد والضفة في واد آخر، أو السلطة في واد والفصائل الأخرى، خاصة حماس، في واد آخر. وقد رأينا كيف أن الخيارات الفلسطينية تجهض بعضها بعضاً، وهذا هو السبب الرئيسي في استمرار الاحتلال، وفي تفريغ الخيارات الفلسطينية من فعاليتها.

إقرأ أيضاً: في سؤال الدولة الفلسطينية

وتبرز الحاجة أيضاً إلى إنشاء مؤسسات دولة كفاحية للفترة الإنتقالية. وإلى جانب ذلك، لا بد من تفعيل الدور العربي باعتباره متغيراً رئيساً وفاعلاً في هذه المرحلة، وتحميل الدول التي لها علاقات مع إسرائيل مسؤولياتها في إنهاء الإحتلال.

ويبقى السؤال فلسطينياً كيف نجعل ثمن الاحتلال مرتفعاً بالنسبة إلى إسرائيل، فتدفعه بدلاً من الشعب الذي يعاني من الاحتلال. فحين تشعر إسرائيل أنَّ ثمن الاحتلال بات مرتفعاً، عندها ستعلن انهاء احتلالها وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ولعل من أهم تداعيات حرب غزة السياسية أن إسرائيل خسرت هذه الحرب سياسياً بعودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وازدياد الحديث عن وجوب الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويبقى السؤال: هل يحسن الفلسطينون توظيف هذه النتائج؟