بقيادة المملكة العربية السعودية، تواجه العواصم العربية تحدياً حاسماً يهدد أمنها المباشر، وتتعرض لمخاطر كبيرة تهدد هويتها الثقافية والتاريخية. ويجسد التحالف المتنامي بين النظام الإيراني وروسيا شكلاً جديداً من أشكال الإمبريالية. وفي حين يتنكر هذا الاستعمار الجديد في ثوب محرّر من الهيمنة الغربية، إلا أنه يفرض بخبث نظامًا أكثر شرًا وتدميرًا. ويسعى التحالف الروسي الإيراني، مدفوعًا برغبة شديدة لكسب الولاء السياسي، إلى إعادة تنظيم شاملة للمناطق بما يتوافق مع أيديولوجياته الخطيرة، مما يشكل تهديدًا بمحو الهويات التاريخية والثقافية للعواصم العربية.

إنَّ استخدام إيران للوكلاء الاستراتيجيين، بما في ذلك الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحماس في غزة، قد أدى إلى تصعيد التوتر بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما وضعها على حافة صراع واسع النطاق. ومن خلال هؤلاء الوكلاء، تسعى طهران إلى ممارسة نفوذها خارج حدودها، في محاولة لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم العربي وفق رؤيتها. تتميز هذه الأجندة التوسعية بجهودها لإخضاع عدد أكبر من العواصم العربية لإملاءاتها الثيوقراطية، إذ تسعى بطموح لإعادة طلاء المنطقة بألوانها الصارخة.

أثرت هذه الاستراتيجية على الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يعمل وكلاء إيران في كثير من الأحيان على إحداث اضطرابات عسكرية وسياسية. وقد أدت تصرفات هذه الجماعات، التي غالباً ما تدعمها طهران بشكل مباشر، إلى صراعات طويلة الأمد لا تزعزع استقرار المناطق التي تقطنها فحسب، بل تهدد أيضاً سيادة الدول المجاورة لها ونسيجها الثقافي. وقد فرض ذلك ضغطًا هائلًا على قوى المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي اضطرت للرد للحفاظ على سلامتها واستقرار المنطقة.

وقد امتد الزحف الروسي والإيراني بالفعل إلى القارة الأفريقية، مما زاد من تفاقم المشكلة وهدد الاستقرار.

في مواجهة هذا التحدي الذي لا هوادة فيه، بات من الملح والضروري أن توحد الدول العربية مواردها وجبهتها. وتكتسي قيادة المملكة العربية السعودية أهمية بالغة في هذا الصدد؛ حيث يعتبر دورها في حشد العالم العربي ضد النفوذ الزاحف لإيران ووكلائها ضرورياً للحفاظ على أمن المنطقة وإرثها الثقافي. ومن خلال تقوية التحالفات وتعزيز الاستراتيجيات الدفاعية التعاونية، يمكن للدول العربية أن تحمي سيادتها بشكل أفضل في وجه طموحات إيران وأجندتها الأيديولوجية والتوسعية.

بقيادتها الحكيمة والمدروسة، تبرز المملكة العربية السعودية كعنصر استقرار وسلام في هذه الدوامة الجيوسياسية العاصفة، فهي مهيأة بشكل استثنائي لرعاية الشرق الأوسط في هذه الأوقات المضطربة، حيث تدعو إلى مسار بديل لا يخضع لنزوات القوى الغربية ولا مبادرات طهران وموسكو المزعزعة للاستقرار. إن دور المملكة العربية السعودية محوري في تحصين سلامة المنطقة وتعزيز وحدتها، وهو دور بالغ الأهمية بلا منازع، بصفتها حامية لأقدس الأماكن الإسلامية.

وتتجاوز التحديات الآن الحدود الإقليمية، وتتسرب إلى الشتات العربي. فالامتداد التوسعي للنفوذ الإيراني والروسي يسعى إلى إعادة تقويم هويات وولاءات الجاليات العربية على مستوى العالم، مما قد يؤدي إلى إضعاف روابطها الثقافية، ومواءمتها مع أجندات أجنبية تتعارض مع مصالحها الأصلية. في مواجهة مثل هذا التلاعب المدروس، يجب على العواصم العربية أن تتصرف بحزم لاستعادة السيطرة على سرديتها العالمية وضمان بقاء جالياتها في الشتات شاهدًا حيويًا على روحها الثقافية والوطنية، بدلًا من أن تكون خرقًا تستغله القوى المعادية.

في هذا السياق، تستعد القيادة المستنيرة في المملكة العربية السعودية لصياغة رؤية مقنعة للمستقبل - رؤية تعيد التواصل بقوة مع الجاليات العربية في المهجر وتضمن بقاء هذه الجاليات مترسخة في تراثها الثقافي ومتوافقة مع الأهداف الشاملة للسلام والازدهار في المنطقة. وتكتسي مبادرات المملكة لتعزيز الحوار والتبادل الثقافي والمشاركة الاقتصادية أهمية محورية، حيث تعمل على إنشاء شبكات مرنة تعزز الوحدة في العالم العربي.

علاوة على ذلك، فإن رؤية المملكة العربية السعودية العالمية للاستقلالية الاستراتيجية والقيادة الإقليمية الهائلة تجسد مساراً لا يقدر بثمن بالنسبة إلى الدول الأخرى، بما في ذلك الدول الأفريقية. وفي الوقت الذي تجد فيه الدول الأفريقية نفسها تتودد بشكل متزايد إلى القوى الخارجية ذات الأجندات المماثلة لتلك التي تهدف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، فإنها ستستفيد بشكل كبير من تبني نموذج الحكم الذاتي الذي تتبناه المملكة العربية السعودية، بدلاً من الخضوع لتأثيرات إيران وروسيا. من خلال الدعوة إلى تقرير المصير والشراكات الحقيقية القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تكون مصدر إلهام لمناطق مختلفة من العالم، لصياغة مستقبلها الخاص.

في عصر يتأرجح فيه ميزان القوى العالمي بشكل غير مستقر، تتجلى الضرورات الاستراتيجية للدول العربية التي ترعاها المملكة العربية السعودية بحكمة واستباقية. يجب على هذه الدول أن تدرك بسرعة الديناميكيات المتغيرة وأن تتكيف معها، لتضمن أن مستقبلها يصاغ بأيديها، ولا يملى عليها من قوى خارجية. فقد ولّى عصر الاعتماد على التحالفات الغربية المتعثرة بشكل لا لبس فيه؛ إذ يتطلب المستقبل نهجًا جريئًا وحازمًا يدافع عن سيادة العالم العربي وتراثه الثقافي وأمنه الجماعي.

لا شك في أنَّ المملكة العربية السعودية، بالتزامها الثابت بالاستقرار الإقليمي وازدهار شعبها وجيرانها، تشكل حجر زاوية في هذه الأحجية الجيوسياسية المعقدة. ومن خلال قيادتها، لا تحمي المملكة مصالحها فحسب، بل تساهم أيضًا بشكل كبير في حركة أوسع نحو السلام والاستقرار الدائمين في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد.