حمام العليل: يتنقل الشاب أحمد وسط جمع من النازحين في طريق موحل في انتظار لقاء عمه وعمته، اللذين غادرا الجانب الغربي من الموصل بعد بدء معركة استعادة ثاني مدن العراق من داعش.

ويأمل هذا الشاب البالغ من العمر 27 عامًا ويرتدي معطفًا رماديًا انيقًا العثور على عمه وعمته قرب مخيم حمام العليل، الذي يقع على بعد قرابة 15 كيلومترًا جنوب الموصل.

وقال احمد، وهو من سكان شرق الموصل حيث يعمل كاسبًا، "لا يسعني أن أصف شعوري عندما التقي مجدداً بعائلتي خصوصًا بعد الاخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام عن المعارك والجوع والذل" الذي يتعرض له السكان المحاصرون.

واضاف بعد ساعتين من الانتظار بالقرب من المخيم "لم أرَهم منذ ستة أشهر. سنأخذهم إلى البيت".&

بدأت القوات العراقية في 19 فبراير عملية كبيرة لاستعادة الجانب الغربي من الموصل، الذي يعد اكثر اكتظاظًا من القسم الآخر من المدينة، ومازال قرابة نصفه تحت سيطرة الجهاديين.

&واستعادت القوات العراقية السيطرة على الجزء الشرقي من المدينة التي يقسمها نهر دجلة في يناير في اطار عملية عسكرية كبرى انطلقت في 17 اكتوبر الماضي، ودفعت عشرات الآلاف من السكان الى الفرار.

وتفرقت العائلات التي يعيش افرادها على ضفتي النهر بسبب تدمير جميع الجسور الخمسة التي كانت تربط بينهما.

ونادرًا ما تمكن سكان الموصل من اجراء مكالمات، وهو الامر الذي غالبًا ما يتم خلال ساعات الليل مع الحرص على عدم رفع صوتهم خشية الوقوع بيد الجهاديين.

ويقول احمد الذي غطى الوحل قدميه وجواربه، وهو يتفحص من حوله، "كنا نتصل بهم مرة في الاسبوع، قالوا لنا انهم بخير، لكن مجرد تشغيل هاتفهم كان سببًا كافيًا لتعريض حياتهم للخطر".

وحرم عناصر تنظيم الدولة الاسلامية على اهالي الموصل استخدام الهاتف النقال، ونفذوا اعدامات بحق أشخاص وجدوا معهم اجهزة نقالة، لخوفهم من تزويد قوات الامن بمعلومات عن نشاطاتهم .

ولا تمر دقائق حتى يأتي أحد ممن يبحثون عن أفراد من عائلاتهم ليستعيروا من أحمد هاتفه القديم.

وحول أحمد، جلس مئات المدنيين على الارض، وغطى الوحل ملابسهم، وبجوارهم أمتعة بسيطة، واطفال يرتدون ملابس لا تقيهم لا البرد ولا المطر.

ـ انقطاع لعدة أشهر

وصلت شاحنة محملة بالأغذية، فاتجه نحوها جمع من النازحين وتسابقت أذرعهم لتلقف الصناديق التي راح متطوعون يوزعونها عليهم.

فجأة سمع دوي طلق ناري، أطلقه جندي في الهواء في محاولة عقيمة لتهدئة الحشد .

قالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، إن اكثر من 180 الف شخص فروا من المعارك التي تدور في الجانب الغربي لمدينة الموصل.

وتم اسكان 111 الفاً منهم في مخيمات للنازحين خصصتها الوزارة، فيما لجأ نحو سبعين الفًا الى منازل اقرباء وأصدقاء في مناطق متفرقة في الجانب الشرقي أو حول الموصل.

&ووصل محمد بدر عابد الى حمام العليل لاصطحاب عائلة شقيقته الى منزله في قرية تبعد حوالى ثلاثين كيلومترًا عن الموصل.

ولم تصل عابد الذي يعمل في شركة كهرباء أي اخبار عن شقيقته منذ نصف عام، حتى تلقى مكالمة منها في اليوم ذاته.

وقال عابد الاربعيني: "اتصلت بي عند السابعة صباحًا وطلبت مني المجيء لاصطحابها (...) فرحت كثيرًا. لم اصدق ذلك".

واضاف والابتسامة تغطي وجهه، "لم أسمع صوتها منذ ستة اشهر، لم اكن أدري ماذا حل بهم".

تمكنت شقيقته من التوجه على الفور إلى القرية، لكن نسيبه واخوانه الاربعة كانوا ما زالوا يخضعون لتدقيق القوات الامنية، التي تخشى تسلل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية بين المدنيين.

وفي مكان قريب، جلس ابو عمر الذي فرّ من الموصل مع زوجته وابنائه الخمسة، بانتظار زوج ابنته الذي يعيش في الجانب الشرقي من الموصل، ولم يلتقِ بهم منذ سنة.

وقال أبو عمر الخمسيني الذي غزا الشيب لحيته رافضًا الكشف عن اسمه الحقيقي، "ما حل بنا لم يمر على احد".

واضاف بحسرة "يمكن لما حدث، ان يشكل اساساً لرواية أو فيلم أو مسلسل تلفزيوني"، قبل ان يتوجه لمعانقة صهره بحرارة. ثم غادروا بسرعة المكان.