لم يكن الأردنيون يعتقدون أن أبا عبيدة، الناطق باسم المقاومة الإسلامية في غزة، يستهدفهم في بيانته قبل أن يصرح أنهم هم المستهدفون علانية، فقد كان سكان الأردن بشتى أطيافهم وأصولهم ومنابتهم، شأنهم شأن كل العرب، يرغبون في أن تحقق المقاومة بعض النتائج الإيجابية التي تصب في حلحلة القضية الفلسطينية، أو على الأقل استرجاعها من خانة النسيان الدولي. وقد تعاطف المواطنون واللاجئون والمقيمون في الأردن مع تلك البيانات، ولم يمر يوم من دون أن يتظاهر أهل الأردن احتجاجاً على القصف الإجرامي الإسرائيلي على قطاع غزة، وكانت الدولة الأردنية وقوات الدرك تقدم للمتظاهرين كل سبل الحماية والراحة لكي ينهون احتجاجاتهم ويتفرقوا بسلام، دون أجندات خفية أو تحريض من أبي عبيدة. وقد كتب الكثير من قادة الرأي وكتاب الرأي مقالات تشد على يد المقاومة، إلا أن ما قام به الناطق باسم كتائب القسام بتشجيع سكان الأردن على التظاهر والاحتجاج جعل الكثير من الناس تقف للحظة وتفكر لماذا يدعو أهل الأردن بالذات للتظاهر دون سواهم، ما يثير العديد من التساؤلات حول خلفية هذه الدعوة، إذ لماذا لم يوجه الدعوة نفسها مثلاً إلى الفلسطينيين في أراضي 48 أو الفلسطينيين في سوريا ولبنان أو أهالي الضفة الغربية... فماذا يعني الأردن؟

إقرأ أيضاً: كنا نعلم... ولكن!

الحقيقة أن الناطق باسم الحكومة الأردنية والدولة الأردنية شعروا أن ثمة ما يطبخ في الخفاء، ونعلم أن في الأردن أكثر من 13 مخيماً فلسطينياً يسكنها الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، وقد كرمهم جلالة الملك عبد الله الثاني في أواخر رمضان الفائت بدعوة كريمة إلى الديوان الملكي لتناول الإفطار وجهها إلى وجهاء وممثلي أبناء المخيمات، بعد أن زار البوادي الثلاث في مضاربهم وتناول الإفطار معهم، والقصد هنا إذا كان رأس الدولة يكرم أبناء المخيمات في الأردن، ويذهب ليطير فوق غزة بنفسه لإيصال المساعدات الغذائية لمن تقطعت بهم السبل، فيما الأردنيون يتظاهرون احتجاجاً ضد القصف الإسرائيلي، والخارجية الأردنية بدورها لم تترك محفلاً دولياً إلا وطالبت من خلاله بوقف الحرب على غزة وإقامة دولة فلسطينية؛ فما الذي تبقى ليفعله الأردن كي توقف حماس طلبها بزيادة التظاهر والاحتجاج والضغط، وهل المقصود إثارة الفتن بين شقي الأردن، أي أبناء العشائر وأبناء المخيمات الذين يعيشون مع بعضهم كأخوة، أم المقصود أنَّ تحرير فلسطين لا يتم إلا عبر عمان كما توهم المتوهمون قبل أحداث أيلول 1970.

إقرأ أيضاً: عن أي سلام نتحدث؟

لقد خلق بيان حماس الأخير قناعة لدى الكثيرين بوجوب التوقف عن الاحتجاج كيلا يتهم المتظاهر البريء أنه يفعل ذلك ليس نصرة لغزة، بل تنفيذاً لأوامر حماس، التي تخسر يومياً تعاطف بعض الشارع الأردني الذي لطالما كان مع فلسطين على طول الخط، وضد إسرائيل إلى الأبد.

حمى الله الأردن ومواطنيه وقاطنيه وساكنيه.