محمد الصياد

يوم الاثنين الموافق الثالث من أكتوبر 2016 حطت بي الطائرة في مطار «دوميديدوفا» في العاصمة الروسية موسكو قاصداً منها «سانت بطرسبيرغ» العاصمة الثقافية لروسيا الاتحادية للمشاركة في «منتدى الغاز العالمي السادس». في ذلك اليوم بالتحديد نقل الاعلام الروسي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم إلى مجلس الدوما الروسي (البرلمان) مشروع قانون يقضي بإلغاء الاتفاق الروسي الأمريكي لعام 2000 بشأن إدارة والتخلص من البلوتونيوم.

وكانت الدولتان قد توصلتا لهذا الاتفاق في عام 2000 بهدف التخلص من فائض البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية بواقع 34 طنا لكل دولة وتحويل استخدامها لأغراض سلمية من بينها توليد الطاقة الكهربائية ونحوها.

وبحسب ما ورد في مشروع القانون، فإن هذا القانون يصبح في حكم الملغى في حال نفذت واشنطن الشروط الروسية التالية:
* تقليص عدد القوات والبنية العسكرية في البلدان التي دخلت حلف الناتو بعد أول يناير سنة 2000، وهي هنا بلدان أوروبا الشرقية، إلى المستوى الذي كان عليه ساعة إبرام اتفاق التخلص من البلوتونيوم.

* إلغاء «قانون ماغنيتسكي» لسنة 2012 و«قانون دعم الحرية في أوكرانيا» لسنة 2014.
* إلغاء جميع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد المؤسسات الروسية والمواطنين الروس.
* تعويض روسيا عن الأضرار التي تسببت فيها العقوبات الأمريكية ضدها، وكذلك عن الأضرار الناتجة عن العقوبات المضادة التي اضطرت روسيا لفرضها على الولايات المتحدة رداً على العقوبات الأمريكية.
* أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم خطة واضحة ومحددة وغير قابلة للالتفاف حول التخلص من البلوتونيوم.

وبحسب ما ورد في تسبيب إنشاء هذا القانون، فإنه يتمثل في التغيير الجذري للظروف وظهور تهديد للاستقرار الاستراتيجي لروسيا الاتحادية. وجاءت هذه الخطوة التصعيدية النوعية من جانب موسكو بعد انهيار اتفاق البلدين الذي توصل اليه وزيرا خارجيتيهما سيرغي لافروف وجون كيري بشأن سوريا الذي قضى بموافقة واشنطن على عزل «جبهة النصرة» عن بقية الفصائل السورية المسلحة التي تقاتل النظام السوري من أجل توجيه ضربات مشتركة إليها وإلى التنظيم الإرهابي الآخر «داعش»، نتيجة للرفض التام الذي قوبل به الاتفاق من جانب جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) و«تعميد» هذا الرفض بتعمد قصف وحدات للجيش السوري في دير الزور لدفع الروس من جديد لإنهاء وقف إطلاق النار واستئناف «عاصفة السوخوي». وهو ما تحقق لهم على الأرض. حيث استأنف الطيران الروسي غاراته على أحياء حلب الشرقية التي تعتبر منطقة ثقل تواجد الميليشيات المسلحة التي تقاتل النظام السوري.

وقد نقلت صحيفة «موسكو تايمز» الأسبوعية الروسية الناطقة بالإنجليزية عن مصدر مقرب من دوائر صناعة القرار في الخارجية الروسية، أن هذه الخطوة التصعيدية الروسية أملتها تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية جون كيري، ومنها تهديده المبطن لروسيا في 28 سبتمبر الماضي ومفاده إطلاق يد ذئاب التنظيمات الإرهابية لشن هجمات دموية في شوارع روسيا وإسقاط طائراتها ونقل جثامين قتلاها في أكياس إذا استمرت في حربها ضد خصوم النظام السوري (Moscow Times، 6-12 أكتوبر 2016، العدد 5775). هذا فضلاً عن تجديد التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا. 

وبالنسبة إلى أليكسي بوشكوف الرئيس السابق للجنة العلاقات الدولية في الدوما وعضو المجلس عن حزب روسيا الموحدة حالياً، وليونيد كالاشنيكوف نائب رئيس الدوما، فإن واشنطن هي من أطلق هذه الموجة من تصعيد المواجهة مع موسكو، وإن الكرملين فقد الصبر كليا مع إدارة أوباما.

هي نذر الحرب إذاً، هكذا تبدو مطالعها الأولى ووقائعها على الأرض. لكن، بالمقابل، فإن مشروع القانون الروسي ربما ينهض تصوراً روسياً لجدول أعمال المباحثات المستقبلية مع الرئيس الأمريكي الجديد!