&عزيزة عبدالعزيز منير&

&من ينسى خيبة أمل الأميركيين عند غزوهم العراق في عام 2003 والمقاومة الشرسة التي لاقوها من العراقيين، ولسان حالهم يقول لماذا يحاربوننا؟ لماذا لم يستقبلونا بالورود؟ لقد جئنا لتحريرهم من الطاغية صدام حسين وجعلهم شعباً متحضراً ديموقراطياً؟

لقد تبنَّت الولايات المتحدة مبدأ تعزيز الانتشار الدولي للديموقراطية، كبديل عن مبدأ الاحتواء الذي اتبعته خلال فترة الحرب الباردة ووصل الأمر ذروته في عهد إدارتَي بيل كلينتون وجورج بوش اللذين لم يتورعا عن أخذ قرارات للتدخل العسكري المباشر، كما حدث في الصومال في عهد كلينتون وأفغانستان والعراق في عهد بوش الابن من أجل إزاحة الأنظمة الديكتاتورية ونشر الديموقراطية وتعزيزها. وقد اتضح أن أسلوب إدارة بوش في التعاطي مع حربي العراق وأفغانستان كان انتقائياً أكثر منه موضوعياً، من حيث كذب الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق والآثار الكارثية للحرب نفسها. وتحت وطأة الخسائر البشرية والمادية في الجانب الأميركي، سعت واشنطن إلى التخلص من ورطتها في حرب غير مبررة مع العراق لم يستفد منها أحد غير إيران وإسرائيل.

أما في عهد إدارة أوباما، فشهدت السياسة الأميركية الخارجية تغيراً كبيراً حيث تحولت القوة الأميركية من القيادة الواضحة للعالم إلى الاكتفاء بدور القيادة من الخلف، وخصوصاً بعد الانسحاب من العراق الذي ترك فراغاً كبيراً ملأته إيران بميليشياتها المسلحة، وتنظيم «الدولة الإسلامية» الإرهابي في العراق وسورية. كذلك اتبعت الولايات المتحدة سياسة استرضاء الخصوم، ولعل الاتفاق النووي الإيراني (الذي وإن حكمته ظروف موضوعية، كالحاجة إلى تقييد طموح إيران النووي أو إلغاء العقوبات) خير مثال على تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها بما يهدد أمن دول الخليج.

كذلك، خيَّبت إدارة أوباما توقعات الفلسطينيين الذين شهدوا تراجع العملية السياسية، التي أطلقتها واشنطن في 1991، تماماً أمام الموقف الإسرائيلي المتعنت وأنه من غير المتوقع إعادة إنعاش عملية السلام والوصول إلى اتفاق سلام.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، خصوصاً في ضوء انتخابات الرئاسة الأميركية المرتقبة وتدشين بداية جديدة للسياسة الخارجية، هل من الممكن أن تتولى واشنطن مهمة نشر الديموقراطية في المنطقة بالقوة في المرحلة المقبلة؟ لقد أثبتت التجربة أن التدخل العسكري في المنطقة لم يجلب إلا الفوضى والدمار، مثلما حدث في ليبيا والعراق واليمن وأفغانستان.

فإرساء الديموقراطية في أي دولة لا يقتصر على إسقاط حاكم مستبد وصياغة دستور جديد، فالأنظمة الليبرالية تقوم على عوامل عدة أهمها التعددية الأيديولوجية والتنظيمية الحزبية ووجود قانون فاعل ينظم الحقوق المدنية والسياسية ويوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتأكيد قيمة العلم والتعلم وتوفير مستوى معيشي كريم للمواطنين.

وإذا كانت الديموقراطية أمراً مرغوباً فيه، فيما القوة ليست الأداة المناسبة لنشرها، فما هو المناسب؟ هناك ثلاث طرق يمكن أن تساهم من خلالها الولايات المتحدة في نشر الديموقراطية. الأولى: تبني سياسات ديبلوماسية وأمنية تضمن خلق بيئة مستقرة تُحِد من قدرة التيارات المتطرفة على توظيف البيئة السياسية لخدمة أهدافها، وتساهم في تحسين فرص التيار المعتدل في المشاركة في العملية السياسية. الثانية: تقديم الدعم للحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتحسين قدرتها على تقديم الخدمات الاجتماعية. الثالثة: أن تقدم الولايات المتحدة نموذجاً أو مثالاً يمكن أن يحتذى من قِبل الدول التي تتلمس طريقها نحو الديموقراطية. فالصورة الذهنية لدى الكثير من العرب عن الولايات المتحدة تغيَّرت كثيراً، وخصوصاً في ضوء انتهاكات حقوق الإنسان بدءاً من غوانتنامو وأبو غريب، وتجسس الاستخبارات الأميركية على اتصالات الأميركيين، وانتهاكات الشرطة المتكررة لحقوق المواطنين الأفارقة، ودعوة أحد أبرز مرشحي الرئاسة الأميركية لفرض رقابة خاصة على المسلمين لتحديد الإرهابيين النشطين أو المحتملين منهم!

&