علي سعد الموسى

لم تتغير ولم تبدل وسائل وطبائع إعلامنا التلفزيوني أو الإذاعي في نقل المناسبات الكبرى، وعلى رأسها الحج، منذ أن عرفت شخصيا، ظهور هذا الإعلام مع هذه الفريضة، كنت طفلا صغيرا، وقبل أن تشاهد قريتي التلفزيون،

وأنا أستمع إلى الراديو غروب يوم عرفات، عندما كان «الأثير» ينقل وقائع النفرة، وأكاد أجزم أن تلك الطريقة ، وقبل أربعين عاما، استطاعت أن تصل إلى عواطفنا، وإلى الخيال فينا، بصورة بصرية عبر الراديو، أكثر دقة ووصفا من تلك الصور التلفزيونية التي نشاهدها اليوم رغم جيش المراسلين ومئات الكاميرات ووسائط النقل التقنية الحديثة.
كنت مسافرا على طريق طويل ليلة عرفة، تمنيت لو أن قيادياً بهيئة الاذاعة والتلفزيون كان معي على ذات الطريق، ليسمع قنوات الراديو السعودية الخالصة، هي نفسها بالتقريب والتشبيه ذات الأشرطة المسجلة التي كانت تُبث قبل أربعين سنة، مع فوارق أسماء المذيعين وضيوفهم من الدعاة. 
وإذا كان هذا انطباعي الشخصي، وأنا المواطن المدمن على نقل مناسبات الحج المتعاقبة، فما بالك بالملايين في كل بقاع العالم الإسلامي الذين يختارون الإعلام السعودي، وأقنيته المختلفة لمتابعة هذا الحدث. 
أريد أن أقول بالضبط، لولا أنني أعرف حجم الجهد الهائل المبذول، ومئات مليارات الريالات التي صرفت على الحرمين الشريفين وبقية المشاعر المقدسة، ولولا أنني ألمس الفوارق الهائلة بين كل زيارتين شخصيتين، لما استطاع كل هذا الجيش الإعلامي الرسمي أن يضعني في قلب صورة التغيير، وخذ من الأمثلة أن لكل من الحرمين الشريفين قناته الفضائية التي تبث مباشرة على مدار دقائق اليوم والساعة، ولكنها للأسف الشديد لا تبث سوى الصور النمطية الثابتة، لم تنتهز فرصة وجودها في أكثر بنيان على وجه الأرض توسعا وهندسة ودقة، لتنقل للعالم حركة الإعمار والتشييد الهائلة، وحجم الخدمات التاريخية، وهندسة الحركة البشرية، تحت أوسع سقف واحد على وجه الأرض. 
خذ مثلا أيضا، أنك لا تشاهد في مبنى الجمرات سوى الصورة النمطية لطقوس رمي العقبات الثلاث دون أن تلفت أنظار كل العالم إلى أن مبنى الجمرات هو أكبر بناء أسمنتي بُني على كتلة واحدة ومشروع واحد، وأنه تفوق على جسد سد «هوفر» الأميركي الذي سُجلت له عشرات الأفلام الوثائقية.
الخلاصة أن إعلامنا ينام على كنوز هائلة يدفنها بالتجاهل والنمطية.