عبدالله ناصر العتيبي

السؤال المهم جداً الذي لم يطرحه خصوم السعودية في المنطقة على أنفسهم ولو همساً، وخاصة إعلاميي التلفزيونات والصحف العربية التابعة لإيران: لماذا تحفل زيارات الأمير محمد بن سلمان في العالم بكل هذه الأهمية؟ لماذا استقبله المصريون بهذا المستوى الكبير من الحفاوة؟ لماذا انشغل البريطانيون بتشكيلاتهم كافة بزيارته؟ لماذا حرصت ملكة بريطانيا على الالتقاء به وهي التي لا تلتقي في العادة إلا بزعماء عالميين قليلين جداً؟ وأخيراً.. لماذا خرجت أميركا بكاملها لاستقبال هذا الأمير الشاب الذي لا حد لطموحه؟

لماذا لا يسألون أنفسهم هذه الأسئلة بدلاً من التقليل حيناً من أهمية هذه الزيارات؟ والمتابعة الدقيقة حيناً آخر لأقواله وأفعاله والبناء عليها بما لم يقله أو يفعله، أو تفسيرها بما يتناسب مع الطرح السياسي الإيراني والتنظيمات التابعة لطهران في المنطقة؟ لماذا لا يستعيدون صور استقبال دول العالم لرموزهم الأثيرة خلال السنوات القليلة الماضية ويقارنوها بصور استقبالات ونشاطات ولي العهد السعودي في زياراته الأخيرة التي تتوالى يومياً إلى غرف أخبارهم عبر وكالات الأنباء العالمية؟

هي أسئلة بسيطة بلا شك، وأظن أنهم يملكون إجاباتها، لكن لا بأس من الإجابة عليها لعلهم يدركون في زحمة حماسهم الكبير ونشاطاتهم المحمومة لتشويه الصورة الإعلامية لزيارات ولي العهد السعودي أن ثمة وجه آخر للحقيقة، ربما عليهم الوقوف أمامه وقراءته قراءة دقيقة، ليس من أجل مصلحة السعودية أو الأمير شخصياً، فالأمر هنا - من تجارب سابقة - لا يستحق استجداء الموضوعية الإعلامية أو الرأي المثالي المحايد، وإنما من أجل دولهم ومنظماتهم التي تعوّد مسؤولوها ونخبها على الهرب دائماً للأمام لإخفاء ما يختلج في صدورهم من إحباط ويأس!

هي أسباب رئيسة ثلاثة تجعل الأمير محمد بن سلمان يُستقبل بكل هذه الحفاوة وهذا التقدير في كل دولة يزورها. ثلاثة أسباب تجعل الإعلام الدولي يدير ماكيناته لنقل تحركات الأمير المختلفة في الدول التي يزورها وأحاديثه للصحافة ولقاءاته مع النخب السياسية والثقافية والدينية والاقتصادية.

السبب الأول يتمثل في شخصية الأمير محمد نفسه، فهو سياسي واضح وصريح ويعرف بالضبط ماذا يفعل ويقول، ويعرف كذلك ما هو الرد المناسب من نظرائه المقابل لفعله وقوله، كما أن رؤيته لمستقبل المملكة خلال الـ20 والـ30 سنة المقبلة شديدة الوضوح، وهذا يساعد الآخرين كثيراً في فهم طبيعة العلاقة التي عليهم بناؤها مع المملكة، إذ لا مناورات كلامية يمكن أن تفيد في هذا الجانب، ولا وعود غير مثبتة النهايات يمكن المراهنة عليها، وإضافة إلى ما سبق يحظى الأمير محمد بدعم داخلي لا محدود من النخب السعودية كافة، وهذا الأمر تحديداً يجعله يناقش ويفاوض ويعقد الصفقات ويصنع الحلول ويرسم الخطط ويمثل المملكة خارجياً باسم كل السعوديين.

السبب الثاني هو الرمزية الدولية التي تمثلها السعودية في ذهنية العالم، فهي البلد الذي تعتبره كل شعوب العالم الإسلامي بلدها الثاني، وتجعله على رأس ممثليها للتحاور مع ممثلي الديانات الأخرى. السعودية هي البلد الذي يتصدر المشهد عندما يجلس كل الفرقاء العالميين على طاولة واحدة لإيجاد مشتركات للتفاهم والتعايش لسكان الكرة الأرضية، وبالتالي فإن الأمير محمد الذي يمثل المصالح السياسية والاقتصادية لأكثر من 20 مليون سعودي في لقاءاته وزياراته العالمية، هو أيضاً يمثل روحياً أكثر من بليون ونصف البليون مسلم حول العالم.

السبب الثالث هو متانة العلاقات السعودية الغربية وموثوقيتها على امتداد أكثر من 80 عاماً، فعلى رغم الاضطرابات التي تصيب هذه العلاقة بين فترة وأخرى، إلا أن الصدق السعودي والشفافية السعودية والوضوح السعودي هي المبادئ التي تفرض نفسها في نهاية الأمر، وهذا أمر بالطبع لا ينحصر في العلاقات السعودية الغربية، وإنما يميز العلاقات الخارجية السعودية مع كل دول العالم. السعودية عبر تاريخها الطويل تحمل دائماً وجهاً واحداً في علاقاتها الدولية، قد يتغير هذا الوجه تبعاً للظروف السياسية والاقتصادية، لكنه في كل الأحوال يبقى ظاهراً للجميع في مختلف حالاته. وعندما يكون الأمير محمد بن سلمان في أي بلد عالمي، فالمتوقع دائماً أنه يمثل الوجه السعودي الصادق الشفاف الواضح، الذي يعني الضحك إن ضحك، ويعني التجهم إن تجهم.

والآن لنعد إلى الأسئلة التي افتتحت بها هذه المقالة، ولنحاول الإجابة عليها نيابة عن الجانب الإيراني و«المتأرْيِن» باستخدام الأسباب الثلاثة.

لنرَ فقط كيف ينظر العالم إلى علي خامنئي أو حسن روحاني أو محمد جواد ظريف. ولنحاكم صدقيتهم الداخلية والدولية في السنوات القليلة الماضية، لنعرف الفرق ما بين الساسة السعوديين والساسة الإيرانيين. ولنتجول فقط في أوروبا وأميركا لنعرف حجم المعارضة الإيرانية في هذه البلدان، ولنقارنها بالمهاجرين السعوديين في العالم الرافضين لطبيعة الحكم السعودي! ملايين الإيرانيين في مقابل عدد يدور حول الصفر!

ثم لنسال أي مسلم في إندونيسيا أو تشاد أو البانيا أو بوليفيا عمّا تمثله إيران بالنسبة له؟ وأين يقع ترتيبها في جدول اهتماماته وانتماءاته الروحية؟

وأخيراً، لنتساءل عن طبيعة العلاقات الإيرانية بعد ثورة 1979 مع مختلف دول العالم ولنسال أنفسنا؛ لماذا اتفقت العديد من الدول في العالم على مواجهة إيران في شكلها الحالي، أو على الأقل بقيت في الطرف البعيد الآمن، تراقبها بحذر وتوجس شديدين؟
أسئلة واضحة وإجابات أكثر وضوح، لكن السعودية ليست مجبرة على أية حال على إخراج المخالف من منطقة خساراته وجلبه بالقوة إلى دائرة مصالحة.


* كاتب سعودي.