ما رأيك في بحار العلوم وضآلة علم الإنسان بها؟ رويدك أيّها الآدميّ الغِرّ، فالبحر لا يُغرف بكشتبان. أنت لم تعرف ممّا في الأرض شيئاً بعدُ، ولكنك تحزم الحقائب للرحيل إلى عوالم أخرى، بحثاً عن حياة أخرى. كأنك بعد خراب الكوكب عاقدٌ العزم على نشر اليباب في كل تراب.

حسناً، بلغتَ يا أيها الإنسان من العلم شأناً وشأواً. حشود من علماء الفيزياء الفلكية عاكفون ليل نهار على أمل اكتشاف معجزة، ولو على مسافة مليون سنة ضوئية، أن تلوح لهم قطرة ماء إلى جوارها كربون، فيومض لهم احتمال نشوء الحياة. قبل بضعة أيام اكتشف فريق من العلماء في جامعة إلينوي الأمريكية، ما لا يكاد يصدّق: مخزون مياه جوفية، يعادل ثلاثة أضعاف مياه المحيطات، على عمق سبعمئة كيلومتر. من بين وسائط الإعلام مجلة «نيو ساينتيست» (العالِم الجديد) البريطانية، التي لا تمزح. جرعة الحيرة في كنه خبل الإنسان تغدو مضروبة في مليار. هنا، عجائب المفارقات.

لك أن تفكر ساخراً في الفانتازيا السياحية: تنظيم رحلات سباحة على عمق سبعمئة كيلومتر. ومن يدريك؟ فلعلّهم ينشئون فنادق تعيد الحياة إلى جول فيرن، ويتحقق خياله العلمي في «رحلة إلى مركز الأرض». بالمناسبة: إحدى روايات الكاتب ترجمة عنوانها مهزلة: «عشرون ألف فرسخ تحت الماء». الفرسخ 5.5 كم، مع تدوير الرقم يصبح 120 ألف كم تحت الماء! لا علينا، عيسُ العلم في أفلاك الكون يقتلها الظمأ، وثلاثة أضعاف مياه المحيطات تحت أخفافها مطمورة. لا شك في أن حسابات الفيزيائيين والمهندسين معقّدة، فدرجات الحرارة ترتفع مع ازدياد النزول. هذا الاكتشاف أعاد النظر في أن مياه الأرض جاءت من الكويكبات والشهب. سيفكّرون في أنّ مياهها منها.

الغاية من كل هذا التطواف، هي أن عبقرية الإنسان بغير عين، وإلاّ فما هذا البطر وكفر النعمة وقلّة العقل، التي جعلته يقتل الملايين من قمّة المخلوقات على الأرض، ويبدّد ثروات تتجاوز أرقام التريليونات، بينما ينفق المليارات بحثاً عن قطرة ماء أو أثر لبكتيريا في كواكب يحتاج لقطعها إلى عشرات ألوف السنين، لو صار هو نفسه ضوءاً يسير بسرعة الضوء؟

التعليق الذي يستحقه بحق هو قوله تعالى: «قُتل الإنسان ما أكفره».

لزوم ما يلزم: النتيجة الإمكانية: هل الذكاء أيضاً إذا جاوز الحدّ انقلب إلى الضدّ؟