.. بعد أقل من عام على رحيل الرسّامة (فرانسواز جيلو) ١٩٢١-٢٠٢٣، يعرض متحف بيكاسو في باريس أعمالاً للمرأة التي تزوّجها صاحب المرحلة الزرقاء عام ١٩٤٦ وأنجبت منه طفلين، ثم انفصلت عنه في العام ١٩٥٣ بعد حياة مركّبة من الأنانية والمزاجية والغرور، وذلك، استناداً إلى كتاب جيلو «حياتي مع بيكاسو» الذي وضعته وهي في نحو الثالثة والأربعين من عمرها، وصدرت طبعته الأولى في العام ١٩٦٤، ونقلته إلى العربية الفنانة مي مظفر.. فهل يا ترى كانت فرانسواز جيلو ستقبل بعرض أعمالها الفنية في متحف رجل عرفت في حياتها معه شيئاً من العنف وكبرياء الفنان الأشهر في أوروبا والعالم في سبعينيات القرن العشرين، لا، بل، هل يمكن اعتبار عرض أعمال جيلو في معرض بيكاسو نوعاً من الاعتذارية المضمرة من جانب القائمين على المتحف أو المعرض، وهم الأدرى بتاريخ بيكاسو ونفسيته العصابية.. اعتذارية سريعة للمرأة التي تزوّجت فناناً كهلاً كان في السبعين من عمره، وهي كانت في السابعة عشرة من عمرها حين التقته أول مرة في مقهى باريسي، فتقدّم ناحية طاولتها وكان يحمل صحناً مملوءاً بالكرز، ومنذ تلك اللحظة بدأت قصة متكافئة من أوّلها، على الرغم من فارق العمر، وفارق التجربة الفنية والحياتية..

هذه الأيام، إذاً، هي الوقت المثالي للفرنسيين لقراءة «حياتي مع بيكاسو» القصة واليوميات والمذكّرات التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي، ولكن المهم هنا أن الكتاب هو وثيقة ثقافية وسردية تدين بيكاسو أكثر ممّا تضفي عليه صورة حسنة على أقل تقدير.

منذ البداية كانت فرانسواز نديّة تماماً، وقوية أيضاً مع نفسها ومع محيطها (المعقد) بما فيه بيكاسو وزوجتاه السابقتان، وهي لم تسمح له مطلقاً أن يختطف ذاتها الفنية والإنسانية، على الرغم من اعترافها (الجارح) بالحب الذي كانت تحمله لرجل كهل.. بل ستكتشف متأخرة مرارة أن تعيش امرأة شابة مع عجوز.. حتى ولو كان في حيوية بيكاسو..

لم تترك فرانسواز جيلو صغيرة ولا كبيرة في حياة هذا الإسباني الكهل الذي كان مولعاً بمصارعة الثيران، إلّا وجاءت عليها في كتابها الذي أتوقع أن يقفز توزيعه في باريس إلى مؤشر الكتب الأكثر مبيعاً خلال الفترة القادمة المزامنة لمعرض جيلو.

هنا شيء من حقيقة بيكاسو إذا أردت، فقد روت جيلو أنه حين ذهب مع «أولغا») أولى نسائه إلى برشلونة قبل زواجه منها، وقدّمها إلى أمّه، قالت لها أمّه: «.. أيتها الفتاة المسكينة، إنك لا تعرفين في أي موضع أقحمتِ نفسك، لو كنت صديقتك لقلت لك لا تتزوّجيه تحت أي ظرف كان. أنا لا أعتقد أن بإمكان أية امرأة أن تجد السعادة مع ابني.. إنه موجود لنفسه لا لأي شخص آخر..».