نظمت "مؤسسة لقمان سليم" وعائلته، بالتعاون مع "مركز أمم للابحاث والتوثيق" و"دار الجديد" فاعلية لإحياء الذكرى الثالثة لاغتيال الكاتب والناشط السياسي والباحث لقمان سليم في "مركز مينا للصورة"؛ ثلاثة أعوام كاملة مرت والقاتل المعلوم حراً طليقاً... وفي حضور عدد كبير من أصدقاء لقمان سليم والساسة والكتاب والصحفيين ونشطاء المجتمع اللبناني، وفي حضور السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون وسفيرة فرنسا آن غريو والسفير البريطاني هاميش كاول وممثل عن السفير الألماني، تم توجيه الاتهام صراحة إلى حزب الله باغتيال لقمان سليم، وذلك من قبل عدة أشخاص، منهم الناشط والأكاديمي اللبناني مكرم رباح، صديق الراحل، الذي يمضي على نهجه ويتعرض لحملة مسعورة هذه الأيام بهندسة حزب الله تشبه الحملات التي تعرض لها لقمان سليم من قبل.

لقمان محسن سليم (1962 - 2021)، الذي دعا إلى خلق هوية لبنانية مدنية وغير طائفية، وناضل من أجل تعزيز وصون حقوق الإنسان، اغتيل بخمس رصاصات في الرأس، وواحدة في الظهر، داخل سيارته في منطقة العدوسية أثناء عودته من نيحا في جنوب لبنان. ‏غلاف الرصاصة السادسة لم يجده المحقّقون، وقد كتبت شقيقته الناقدة الثقافية والروائية رشا الأمير في حسابها على منصة إكس عن ذلك تقول "لعلّ المأجور وعد به المحرّض المنهوم ".

في الفاعلية، أشار محامي الأسرة إلى "تعطل الملف عند القضاء اللبناني، فالقضاء يتذرع حتى الساعة بسرية التحقيق، وأنه لم يصل إلى أي نتيجة محسومة". وبالطبع هذا الكلام يؤكد أن العمل المؤسساتي في لبنان معطل بيد حزب الله، الذي أصبح يرتهن قرار ذلك البلد الجميل ويتحكم في الأكسجين في سماء عاصمته ومدنه وضواحيه... إنها لمأساة كبرى أن تقرر ميليشيات خارجة على القانون مصير بلد باكمله.

ولمن لا يعرف من القراء، يعد لبنان في صدارة الدول العربية والشرق أوسطية في قائمة الاغتيالات السياسية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر منها بدون ترتيب ومن الذاكرة بشير الجميل، فؤاد جنبلاط، كمال جنبلاط، رياض الصلح، طوني فرنجية، رشيد كرامي، رينه معوض، داني شمعون، رفيق الحريري، سمير قصير، جورج حاوي، جبران توني، محمد شطح، جود البايع، وغيرهم، والقوس سيظل مفتوحاً وسينضم آخرون إلى القائمة إن ظلت الأوضاع على هذا الحال.

لماذا تم اغتيال الشجاع النبيل لقمان سليم؟ لأنه ارتكب "الجريمة الكبرى" في عالمنا العربي، طبقاً لقواعد وأبجديات بعض الأنظمة الحاكمة. فلقد كان من أنصار السلام الحقيقي ما بين الشعوب والمجتمعات، وعمل بصدق وإخلاص من أجل الوصول إليه وتحقيقه، وتلك طبقاً لحسابتهم "جريمة وكل من يقترب منها لا بد من أن يدفع الثمن". لذلك، قرروا اغتياله والخلاص منه. وللإمعان في الانتقام وهوس إيصال الرسائل الغرائبية، وصل بالقتلة الشطط إلى حد إطلاق الهشتاج الهذياني "المجد لكاتم الصوت" بعد اغتياله مباشرة.

أسس الراحل مع زوجته مونيكا بورغمان، الحقوقية والباحثة المتميزة، "مركز أمم للتوثيق والأبحاث" في منزله بقلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، وفي المركز أرشيف ضخم عن صحف وإصدارات الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وله السبق في نشر جزء منه بالإنترنت على الموقع الخاص به.

ومونيكا زوجته تقود ملحمة نضالية مع والدة لقمان السيدة سلمى مرشاق، الباحثة المتميزة والكاتبة، وشقيقته رشا الأمير، لتعقب قتلته والانتصار للعدل، وأفضل ما يعبر عن تلك الملحمة التغريدة الأولى لمونيكا بعد اغتيال الزوج والرفيق والصديق، حيث كتبت في إكس عبارة واحدة "صفر خوف"، والتعبير غني عن أي شرح أو كلام.

وللعلم، فإنَّ والد لقمان سليم هو محسن سليم، النائب والمحامي والحقوقي والذي يعد من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان والدستور ودولة المؤسسات، ورب أسرة نذرت نفسها للعلم والمعرفة.

وقد أسرَّت لي والدة لقمان سليم قائلة إن عدالة البشر لا تعنيها، وإنّ لقمان يعيش في قلبها حتى يومها الأخير. كما أنّ الشرق برمّته خيبة ما بعدها خيبة…". أما شقيقته رشا فتقول إن القضاء في لبنان معطّل… الحقيقة نعرفها والقتلة الصغار من أمثال عيّاش والعنيسي (قتلة رفيق الحريري) يعيشون في حماية من أرسلهم ويتحكّم بمصير هذا الشرق.

ونستذكر بعض من كلمات الراحل الجسور، الذي قال من ضمن كلامه في لقائه الأخير مع إحدى القنوات العربية قبل اغتياله بأيام، عبارة فارقة لخصت المشهد بأكمله كان نصها: "ما يجري في طرابلس هو الوجه الأخر للإخفاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي للعصابة الحاكمة"، وكأنه أراد أن يسطر اسمه بهذه العبارة في "لوحة المجد الأبدية". والسؤال هل ستحل علينا الذكرى الرابعة للقمان سليم في شباط (فبراير) من العام القادم، والقتلة أحرار طلقاء، أم أن العدل سينتصر؟ سؤال وحدها الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عليه.