نيويورك: للمرّة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، يمثل رئيس سابق للبلد في قفص الاتهام، في محاكمة قد تفضي إلى حكم بالسجن وقد تنسف حملة دونالد ترامب الانتخابية على خلفية أموال دفعها لشراء صمت ممثّلة إباحية.

تنطلق المحاكمة الجنائية الإثنين عند الساعة 9,30 بالتوقيت المحلي (13,30 بتوقيت غرينيتش) في محكمة في مانهاتن في نيويورك بانتقاء أعضاء هيئة المحلّفين للبتّ في ما إذا كان الملياردير الجمهوري مذنبا في تزوير مستندات محاسبية لمجموعته العقارية "Trump Organization".

وقد سمحت هذه النسخ المزوّرة، بحسب الادعاء، بإخفاء مبلغ 130 ألف دولار في المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخابية في 2016 دفع لممثّلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز كي تتستّر على علاقة جنسية قبل 10 سنوات مع دونالد ترامب ينفي الرئيس الأميركي السابق حدوثها.

"مؤامرة"
وبالنسبة إلى المدعي العام في مانهاتن ألفين براغ المنتخب تحت راية الديموقراطيين، لا تقوم المسألة "على المال والجنس... بل على مؤامرة للتلاعب بالانتخابات الرئاسية ثمّ على أكاذيب في الوثائق المحاسبية للتستّر على الأمر".

وفي حين يؤكّد الدفاع أن هذه المدفوعات جرت تماشيا مع القانون في مواجهة محاولة ابتزاز، يعتزم الادّعاء من جهته أن يثبت بالاستناد إلى شهادات أن فريق ترامب تستّر على فضائح أخرى من خلال دفع أموال وأن الناخبين الأميركيين تعرّضوا للخداع خلال الانتخابات الرئاسية في 2016 التي فاز بها ترامب في وجه هيلاري كلينتون.

وردّا على 34 تهمة وجّهت إلى ترامب قبل سنة على خلفية "تزوير مستندات محاسبية" يعاقب على كلّ منها بالسجن لمدّة قد تصل إلى 4 سنوات، دفع الملياردير البالغ من العمر 77 عاما ببراءته، مندّدا كما فعل في سياق قضايا أخرى، بحملة "تنكيل شعواء" هدفها منعه من العودة إلى البيت الأبيض.

وأعلن ترامب الجمعة أنه يعتزم الإدلاء بشهادته في هذه المحاكمة الجنائية. وردّا على سؤال عما إذا كان يعتقد أن هذه الشهادة قد تكون محفوفة بالمخاطر من الناحية القانونية، قال من مقرّ إقامته في مارالاغو في فلوريدا "سأشهد. أنا أقول الحقيقة. أعني، كل ما يمكنني فعله هو قول الحقيقة".

وتنطلق المحاكمة باختيار 12 مواطنا من مانهاتن يعود لهم بعد 6 إلى 8 أسابيع من المرافعات أن يبتّوا إذا ما كان ترامب "مذنبا" أو "غير مذنب" في هذه القضية.

وقد تستغرق عملية الانتقاء أسبوعا إلى أسبوعين ريثما ينظر في الميول السياسية للأفراد بغية استبعاد المتحيّزين حزبيا في مدينة تؤيّد بأغلبيتها الديموقراطيين لكن دونالد ترامب جمع فيها جزءا من ثروته.

قضية "حيّة ميتة"
ويرى خبراء أن هذه القضية التي وصفت بـ "الحيّة الميتة" لأنها بقيت فترة طويلة في أدراج محكمة مانهاتن هي الأضعف من بين المسارات الجنائية الأربعة التي يواجهها ترامب خلال حملته الانتخابية الحالية.

ومن كثرة الطعون المقدّمة من محامي الملياردير الجمهوري والمسائل الإجرائية، تأخّرت القضايا الثلاث الأخرى التي تقوم على محاولات مزعومة غير قانونية لقلب نتائج انتخابات 2020 وسوء إدارة مستندات مصنّفة سرّية ومن المستبعد أن تصدر أحكام في سياقها قبل الانتخابات المزمعة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر).

ومن الصعب التنبؤ بالأثر الذي سيكون لهذه المحاكمة على ناخبين هم أصلا غير متحمّسين كثيرا لفكرة مواجهة جديدة بين الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن (81 عاما) وخصمه الجمهوري الذي يعدّ من الشخصيات الأكثر جدلية واستقطابا في السياسة الأميركية.

وقال هانس نويل أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في تصريحات لوكالة فرانس برس "إنه لأمر غير مسبوق أن يوجّه الاتهام رسميا إلى مرشّح حزب كبير وأن تُوجَّه لهم تهم لها أساس بارتكاب عدّة جنح".

ناخبون لم يحسموا أمرهم بعد
وأظهرت عدّة استطلاعات آراء أن جزءا من الناخبين الأميركيين (32 % بحسب استطلاع أجرته "إبسوس" في آذار (مارس)) سيكون أقلّ ميلا لدعم دونالد ترامب في حال إدانته بهذه القضية.

غير أن هانس نويل لفت إلى أن مشاكله القضائية "ساعدته في أوساط الناخبين الجمهوريين" خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، مغذّية خطابه الذي ينصّب فيه نفسه على أنه "يرفع صوت الشعب ويتعرّض لهجوم من السلطة الحاكمة".

وتوقّع نويل أن "يكون الناخبون المترددون أقّل اقتناعا (بحججه)، لكن كما شهدنا في 2016 و2020، سيقوم الكثير من الناخبين الذين لا يؤيدون سلوكه بالتصويت له رغم ذلك".

ومنذ سنة، تتكاثر المشاكل القضائية التي يتخبّط فيها ترامب، هو الذي نجا من محاولتين للإطاحة به خلال ولايته الرئاسية وأُعلنت نهايته السياسية مرّات عدّة قبل أن ينهض من كبواته.

وحكم عليه أيضا في مسار مدني بدفع تعويضات تتخطّى قيمتها الإجمالية نصف مليار دولار في قضية تشهير في حقّ صحافية سابقة اتّهمته بالاغتصاب وعلى خلفية تضخيم قيمة أصول منظمة "Trump Organization" بشكل مفرط.