علي بن محمد الرباعي

أكادُ أجزمُ أن نعمة الأوطان مثل سائر النعم التي يحياها الإنسانُ لكنه لا يستشعرها إلا عندما يفقدها، فالصحيح لا يعرفُ قيمة ما ألبسه الله من عافية إلا حين يمرض. والثري لا يحس بمستوى الثراء إلا إذا افتقر، والواجد ليس كمن فقد.

أحياناً أغبطُ كبار السن الذين عاشوا أو عايشوا مرحلة ما قبل وحدتنا الوطنية السعودية، كونهم يتمتعون بانتماء حقيقي له مبرراته ومحفزاته، منها ما كانوا عليه من خوف وجوع وأسقام وشقاء وكدح.

بعض النخب لدينا ممن اجتاحتهم التيارات لا يشعرون بذات الشعور الذي يسكن وجدان المعمرين من آباء وأجداد، ولذا تجده سادراً في الوهم والخيالات على أمل أن تبني له مأثورات بالية وطناً أمثل لا ولن يتحقق إلا في اللاوعي العليل.

الوطن هو الأب، والعلاقة بآبائنا ليست علاقة نفعية، قائمة على مصلحة، ويعد من العقوق المورد للمهالك أن تقيم علاقتك مع أبيك على مبدأ تبادل مصالح (إن أعطاني فهو أبي وإن لم يعطني شفت لي غيره).

مثلما أبوك هو أبوك في الفقر والغنى، مثلما أمك هي أمك حال رحمتها وأثناء قسوتها، كذلك الوطن هو الوطن، بل لولا الوطن لربما لم يكن أباك ولا أمك ولا أنت.

هل يعلّمُ الآباء والأمهات فلذاتَ أكبادهم ليستعلوا عليهم، ويتنكروا لهم، ويضمروا الكيد والعداء؟ حتماً الإجابة بالنفي. إذن لماذا البعض ممن أنفقت عليهم الدولة الملايين ليتعلموا ويتثقفوا قلبوا لها ظهر المجن، وكأنما هم يطبقون «تأكل خيري وتحتضن غيري»!!

لا يمكن أن نتجاهل تضحيات رجال بذلوا أرواحهم حتى يستتب الأمن، وتعم الطمأنينة، ناهيك عن بذل المال، وتجاوز الصعاب البيئية والثقافية لينعم كل مواطن ومقيم بما نحن عليه في هذا الوطن منذ 88 عاماً.

بالطبع ليست حياة الشعوب بمجملها رخاء، وليست سياسات الدول جميعها صائبة، إلا أن حقد وضغائن البعض تعميه عن فضائل ومحاسن وطنه، وتدفعه أفكار أو أوهام إلى إعلاء شأن البعيد على حساب القريب والحبيب.

الدول التي لم تكن مستقلة كان هاجسها الأكبر استقلالها. ثم جاءت مشاريع البناء والإصلاح. ومن طبيعة الشرفاء أن يسهموا في بناء أوطانهم وفق منظومة وطنية خالصة، ومن يعجز عن الإسهام فلا يهدم، ولا يفت في عضد البنائين وذلك أضعفُ الإيمان.