& محمد حسن الحربي

لم تكن دول الخليج العربية إلى وقت قريب، تستخدم عملية الربط أو ما سُمّيَّ الـ(Linkage) في تعاملاتها الدولية المختلفة، بصرف النظر عن طبيعتها، سياسية كانت أم اقتصادية تجارية أم غيرها، بل كانت إلى حد ما تستوي لديها النظرة إلى التعاملات السياسية والاقتصادية التجارية، مع النظرة إلى تعاملاتها الإنسانية على مستوى العالم، بحيث بدا الأمر كما لو أن التعاملات المختلفة كلها وضعت في سلة واحدة؛ المساعدات العاجلة في حالات الكوارث الطبيعية، كما الإسهام في ميزانيات المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، كما التعاملات السياسية والاقتصادية والتجارية البينية مع دول العالم، مما جعلها تعاني كثيراً بسبب هذا التعامل الذي ظل أسير إنسانيته الزائدة عن اللزوم.&


معلوم أن المساعدات الإنسانية كما بقية الإسهامات المالية الخيريّة التي تقدمها دول المنطقة إلى شعوب العالم، وهي بمئات المليارات، لمحاربة الفقر والتخلف والمرض، غالباً ما كانت تلك المساعدات بلا شروط أو اشتراطات، في حين لا يبدو مقبولاً ولا منطقياً أن تكون التعاملات الدولية في بقية المجالات كذلك: أي بلا شروط أو اشتراطات. هنالك فرق بين التعاملين؛ فبينما الأول يقتضيه الواجبُ الإنساني ويُمليه الضمير الحي، يقوم الثاني على الأهداف المشتركة والمصالح المتبادلة بين الدول. لكن لوحظ على مدى العقدين والنيّف من الزمن، أن دول الخليج بدأت تستخدم عملية الربط الـ(Lankage ) في كثيرٍ من تعاملاتها السياسية والاقتصادية والتجارية، وحتى العسكرية، وبما يحقق لها أهدافها ومصالح شعوبها أولاً، مصالح الطرف الآخر بالطبع، حتى وإن كانت أحياناً نظرة - هذا الطرف الآخر - إلى الأهداف والمصالح الخليجية، تشكيكية قائمة على مبررات واهية ولا تستحق الأكتراث حقيقةً؛ فأنت لا تستطيع مهما عملت، تحسين نوايا منبعها تصورات مشوهة. اليوم، دول الخليج العربية لم تعد تكترث بنظرة الآخر السلبية إلى أهدافها ومصالحها، بل لم يعد لهذه النظرة وزناً كما في السابق، وإن كان فمن باب اللياقة الدبلوماسية.


الحقيقة المثبتة أن دول الخليج أعلم بأهدافها ومصالح شعوبها من الآخر، أيا كان هذا الآخر، وأن المهم لديها في راهن مسيرتها هو ألا تتوقف عما تريده، أن تستمر في تقدمها لتحقيق أهدافها. وإذا كان لا بد من أمثلة على عملية الربط هذه، فهي عديدة، وأحدثها ما قرأناه وسمعناه عن صفقة المدافع الألمانية السعودية؛ فبعدما دام رفض برلين للصفقة أياماً، عادت لتعلن موافقتها عليها. وكذلك الحال كان مع صفقة القنابل الذكية الإسبانية السعودية؛ فبعدما نشرت الصحف الإسبانية خبر تردد حكومة مدريد في الموافقة على صفقة القنابل الذكية، عادت مدريد لتوافق عليها. الذي حدث في الحالة الألمانية: إن عدداً من شركات الأدوية الألمانية تعمل في السوق الخليجية وأبرزها السوق السعودية، انطلاقاً من خشيتها فقدان هذه الأسواق، وتعزيزاً لنجاحاتها وأرباحها، وتفادياً لأي رد فعل محتمل، ارتأت أن تمارس ضغطاً على حكومتها التي فهمت إشارتها، فكانت الموافقة على الصفقة. أما في الحالة الإسبانية: فالمعادلة التي قلبت الأمر، كانت العقود الموقعة سلفاً بين مدريد والرياض لشراء عدد من السفن والبوارج الحربية، وهذه العقود كانت مهددة، في حال لم تتم صفقة القنابل الذكية.. مهددة بالتأجيل أو الأرجح بالإلغاء، ما دفع مدريد لمراجعة حساباتها والموافقة عليها. هذا النوع من الربط كان يجب أن يسود التعاملات كلها منذ زمن، لكن أن يأتي متأخراً خير من ألا يأتي، وفي مرحلة حساسة تمر بها المنطقة، تحمل نهوضاً جديداً، وإطلالة نوعية على العالم لم يتوقعها.

&

&