& عبدالحق عزوزي

يضم الاتحاد الأوروبي 28 دولة، وهو تكتل جهوي وإقليمي يجمع دولاً متعددة ومختلفة اقتصادياً وسياسياً، وتعرف حدودها في السنوات الأخيرة غلياناً غير مسبوق بسبب عوامل الهجرة والموقع الجغرافي الحساس. ونفهم حجم التخوف الذي ينتاب الأوروبيين، وعلى رأسهم الدولتان المحوريتان (أي ألمانيا وفرنسا) من خروج بريطانيا من دائرة الاتحاد الأوروبي. والكل يعلم أن لبريطانيا مكانة وموقعاً متميزين في سلم النظام الأوروبي والدولي بفعل قوتها الاقتصادية والمالية، وقدم ديمقراطيتها ومؤسساته السياسية والتنموية وتنوع روافدها البشرية والحضارية.&


ومنذ البداية كانت التخوفات البريطانية كبيرة في مجال الهجرة، إذ تستغل أحزاب اليمين القومي في المملكة المتحدة موضوع التدفق غير المسبوق في تاريخ أوروبا للمهاجرين القادمين من سوريا ودول الصراعات والحروب، ناهيك عن المهاجرين الذين يأتون من بعض دول الاتحاد الأوروبي كدول البلطيق ورومانيا وبولندا.. ذريعة لمهاجمة الاتحاد.
ومن المقرر أن تخرج بريطانيا فعلياً من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس المقبل، لكن لم تتضح الأمور بعد بسبب المفاوضات المستعصية بين بريطانيا والاتحاد، والمشاكل الداخلية التي تعاني منها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. فلم يتم حتى الآن التوصل لأي اتفاق ?شامل ?للخروج، ?وقد هدد ?معارضون ?من ?داخل ?حزب ?المحافظين الحاكم ?بالتصويت ?ضد ?الاتفاق ?إذا ?تمكنت ?ماي ?من ?إبرامه. ?وتطرح ?مقترحات ?رئيسة ?الوزراء ?البريطانية، ?التي ?تعرف ?باسم ?خطة «?تشيكرز» ?نسبة ?لمقر ?إقامتها ?الريفي ?الذي ?وضعت ?فيه ?صياغة ?تلك ?المقترحات، ?تصوراً ?لتجارة ?حرة ?للسلع ?مع ?الاتحاد ?الأوروبي، ?علاوة على ?قبول ?بريطانيا بـ«?قواعد ?عامة» ?تطبق ?على ?هذه ?السلع.


ويكفي الرجوع إلى ما كتبه بوريس جونسون وزير ?الخارجية البريطاني ?السابق ?في ?صحيفة «?ديلي ?تليغراف»، ?لنفهم ?الوضع ?جيداً، ?حيث ?انتقد ?جونسون ?الطريقة ?التي ?تعاملت ?بها ?ماي ?مع ?المفاوضات ?بشأن ?مستقبل ?الحدود ?بين ?أيرلندا ?الشمالية ?وجمهورية ?أيرلندا ?بعد ?الانسحاب، ?وهي ?الحدود ?البرية ?الوحيدة ?بين ?التكتل ?والمملكة ?المتحدة ?بعد ?خروجها. ?ثم ?كتب ?قائلاً: «?إذا ?استمرت ?مفاوضات ?الخروج ?من ?الاتحاد ?الأوروبي ?في ?هذا ?المسار، ?فأخشى ?أنها ?ستنتهي ?بكارثة ?سياسية ?استثنائية.. ?والأمر ?برمته ?يسيء ?للدستور.. ?إذا ?تم ?تبني ?مقترحات ?تشيكرز ?فسيعني ?ذلك ?أن ?قادتنا ?وللمرة ?الأولى ?منذ ?عام ?1066 ?سيذعنون ?لنظام ?أجنبي»، ?في ?إشارة ?لغزو ?وقع ?في ?القرن ?الحادي ?عشر ?وفرض ?الحكم ?النورمندي ?على ?إنجلترا.
وهذا السبب الذي ذكره جونسون يفهمه المتضلعون في تاريخ المملكة المتحدة، السياسي والديمقراطي، وهو أن القوميين البريطانيين وغيرهم لا يرون بعين الرضا فرض سلطات من دول ومؤسسات حديثة العهد بحديقة الدول الليبرالية والديمقراطية عليهم، ليجدوا أنفسهم على نفس القصعة الأوروبية، حيث سيادة المحاكم الأوروبية وسلطة المؤسسات الاتحادية، بما فيها البرلمان الأوروبي، على أقدم برلمان ديمقراطي في العالم.&


وهناك أيضاً سبب ما فتئ المطالبون بالخروج من الاتحاد ينادون به، وهو أن السفينة الاقتصادية الأوروبية تأتيها رياح عاصفة وتأتيها الأمواج العاتية من كل مكان، والحكيم هو من يقفز في الوقت المناسب، وإلا دفع هو أيضاً الثمن، والمثال اليوناني مازال عالقاً في الأذهان والأزمات المالية في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا والركود الاقتصادي في العديد من الدول منذر بسنوات عجاف مقابل اقتصاد بريطاني يشهد نمواً متزايداً.&
لكن مفاوضات بريكست العسيرة لم تكن خيراً وسلاماً على بريطانيا، رغم قدرتها على المفاوضات وقوة مؤسساتها، إلى درجة أن بريطانيا اليوم تواجه خيارين: إما الخروج باتفاق سيئ أو الخروج دون اتفاق، وهما خياران ‏«?خطيران ?جداً». ولهذا ?السبب ?دعا ?رئيس ?بلدية ?لندن، ?«صادق ?خان»، ?إلى ?إجراء ?استفتاء ?على ?عضوية ?بريطانيا ?في ?الاتحاد ?الأوروبي ?ليدعم ?بذلك ?فكرة ?أُطلق ?عليها «?تصويت ?الشعب»?. ?وكتب ?خان ?في ?صحيفة «?أوبزيرفر» ?مقالة ?منتقداً ?تعامل ?الحكومة ?مع ?مفاوضات ?الخروج ?من ?الاتحاد، ?وقال ?إن ?التهديد ?الذي ?يواجه ?مستويات ?المعيشة ?والاقتصاد ?والوظائف ?كبير ?جداً ?بدرجة ?تستدعي ?أن ?يكون ?للمواطنين ?صوت ?بهذا ?الشأن. ?وهذا ?الكلام ?أثار غضب ?رئيسة ?الوزراء ?«ماي» ?فقالت ?إن ?تركيزها ?منصب ?على ?خطتها ?بشأن ?العلاقة ?مع ?الاتحاد ?الأوروبي ?وإنها ?تشعر بـ«?الانزعاج» ?من ?التشكيك ?المستمر ?في ?موقفها، ?وذلك ?رداً ?على ?اعتبار ?«خان» أن ?المفاوضات أصبحت ??«مشوبة ?بالارتباك ?والأزمة» وأنها ?تقود ?البلاد ?نحو ?مسار ?مدمر، ?وكل ?هذا ?ينذر ?بأيام ?عجاف ?وأشهر ?شداد ?على ?حكومة ?ماي ?وعلى ?مستقبل ?العلاقات ?التجارية ?والسياسية ?بين ?بريطانيا ?والاتحاد ?الأوروبي.

&